بعضهم أن في التعبير عن صلاة الفجر بخصوصها بما ذكر إشارة إلى أنه يطلب فيها من تطويل القراءة ما لم يطلب في غيرها وهو حسن، وقال الإمام: إن في الآية دلالة على أنه يسن التغليس في صلاة الفجر لأنه أضيف فيها القرآن إلى الفجر على معنى أقم قررن الفجر والأمر للوجوب والفجر أول طلوع الصبح لانفجار ظلمة الليل عن نور الصباح حينئذ ولذلك سمي الفجر فجرا فيقتضي ذلك وجوب إقامة صلاة الفجر أول الطلوع وحيث أجمع على عدم وجوب ذلك بقي الندب لأن الوجوب عبارة عن رجحان مانع الترك فإذا منع مانع من تحقق الوجوب كالإجماع هنا وجب أن يرتفع المنع من الترك وأن يبقى أصل الرجحان حتى تقل مخالفة الدليل.
وأنت تعلم ما للعلماء من الخلاف في الباقي بعد رفع الوجوب، وما ذكر قول في المسألة لكنه لا يفيد المطلوب لأن صلاة الفجر اسم للصلاة المخصوصة سواء وقعت بغلس أم أسفار، والأخبار الصحيحة تدل على سنية الأسفار بها كخبر الترمذي وهو كما قال: حسن صحيح " أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " وحمله على تبين الفجر حتى لا يكون شك في طلوعه ليس بشيء إذ ما لم يتبين لا يحكم بجواز الصلاة فضلا عن إصابة الأجر المفاد بآخر الخبر ولو حمل أعظم فيه على عظيم ورد أن المناسب في التعليل فإنه لا تصح الصلاة بدونه على أنه على ما فيه ينفيه رواية الطحاوي أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم الأجر أو لأجوركم أو كما قال، وروي بسنده الصحيح عن إبراهيم قال: ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء ما اجتمعوا على التنوير، ومحال نظرا إلى علو شأنهم أن يجتمعوا على خلاف ما فارقهم عليه حبيبهم رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وفي " الصحيحين " عن ابن مسعود وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لميقاتها إلا صلاتين صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها مع أنه كان بعد الفجر كما يفيده لفظ البخاري فيكون المراد قبل ميقاتها الذي اعتاد الأداء فيه، والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يعتاد التغليس إلا أنه فعله يومئذ ليمتد الوقوف. ونحن نقول بسنيته بفجر جمع لهذا الحديث.
وخبر عائشة رضي الله تعالى عنها " كان صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح بغلس فتشهد معه نساء ملتفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس " حمل الغلس فيه بعض أصحابنا على غلس داخل المسجد، ويأباه قولها: ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس إذ لا يمكن حمل هذا الغلس المانع من معرفتهن في طريق رجوعهن إلى بيوتهن على غلس داخل المسجد، وكون المراد ما يعرفهن أحد في داخل المسجد من الغلس خلاف الظاهر على تقدير جعل الجملة حالا من ضمير يرجعن.
والظاهر ما أشرنا إليه، وكذا جعل الجملة حالا من نساء أو صفة لها كأنه قيل فتشهد معه نساء ملتفعات بمروطهن ما يعرفهن أحد من الغلس ثم يرجعن إلى بيوتهن، وقيل كان ذلك في يوم غيم، ويبعده كان فإنها شائعة الاستعمال فيما كان يداوم عليه عليه الصلاة والسلام، وقيل هو منسوخ كما يدل عليه اجتماع الصحابة على التنوير، ويبعد ذلك أن النسخ يقتضي سابقية وجود المنسوخ، وقول ابن مسعود: ما رأيت الخ يفيد أن لا سابقية له. وقال بعضهم: ترجح في الأخبار المتعارضة هنا رواية الرجال خصوصا مثل ابن مسعود فإن الحال أكشف لهم في صلاة الجماعة فتأمل.
وذكر الطحاوي أن الذي ينبغي الدخول في الفجر وقت التغليس والخروج وقت الأسفار، وهو قول الإمام أبي حنيفة وصاحبيه وهو خلاف ما يذكره الأصحاب عنهم من البدء والختم في الأسفار وهو الذي