تعالى: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * (الإسراء: 79).
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام يسجد أربع سجدات أي كسجود الصلاة كما هو الظاهر تحت العرش فيجاب لما فزعوا إليه، وذكر الغزالي في الدرة الفاخرة أن بين اتيانهم نبيا واتيانهم ما بعده ألف سنة ولا أصل له كما قال الحافظ ابن حجر، وقيل هو مقام الشفاعة لأمته صلى الله عليه وسلم لما أخرجه أحمد. والترمذي. والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن المقام المحمود في الآية فقال: " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي " وأجاب من ذهب إلى الأول بأنه يحتمل أن يكون المراد المقام الذي أشفع فيه أولا لأمتي فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أيضا من حديث طويل في الشفاعة فيه فزع الناس إلى آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام واعتذار كل منهم ما عدا عيسى عليه السلام بذنب أنه صلى الله عليه وسلم قال: " فيأتوني - يعني الناس - بعد من علمت من الأنبياء عليهم السلام فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله تعالى لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ثم يفتح الله تعالى على من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب " ومن الناس من فسره بمقام الشفاعة في موقف الحشر حيث يعترف الجميع بالعجز أعم من أن تكون عامة كالشفاعة لفصل القضاء أو خاصة كالشفاعة لبعض عصاة أمته صلى الله عليه وسلم في العفو عنهم، والاقتصار على أحد الأمرين في بعض الأخبار لنكتة اقتضاها الحال ولكل مقام مقال، وحمل هذا الشفاعة لومة في خبر أبي هريرة المتقدم على الشفاعة لبعض عصاتهم في الموقف قبل دخولهم النار وإلا فلو أريد الشفاعة لهم بعد الحساب ودخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار كما روي عن أبي سعيد لم يتيسر الجمع بين الروايات إلا بأن يقال: المقام المحمود هو مقام الشفاعة أعم من أن تكون في الموقف عامة وخاصة وأن تكون بعد ذلك ويكون الاقتصار لنكتة، وقد جاء تفسيره بمقام الشفاعة مطلقا، فقد أخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال: هو الشفاعة، وأخرج ابن جرير عن وهب عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المقام المحمود الشفاعة ".
وأخرج ابن جرير. والطبراني. وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه فسره بذلك، ثم الشفاعة من حيث هي وان شاركه فيها صلى الله عليه وسلم غيره من الملائكة والأنبياء عليهم السلام وبعض المؤمنين إلا أن الشفاعة الكاملة والأنواع الفاضلة لا تثبت لغيره عليه الصلاة والسلام، وقد أوصل بعضهم الشفاعة المختصة به صلى الله عليه وسلم إلى عشر وذكره بعض شراح البخاري فليراجع، ووصف المقام بأنه محمود على ما ذكر باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم يحمد فيه على انعامه الواصل إلى الخاص والعام من أصناف الأنام.
وأخرج النسائي. والحاكم وصححه. وجماعة عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: " يجمع الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا قياما لا تكلم نفس إلا بإذنه فينادي يا محمد فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت " فهذا المقام المحمود. وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنه قال في الآية: يجلسه فيما بينه وبين جبريل عليه السلام ويشفع لأمته فذلك المقام المحمود.