تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٢٦
كالذين سمعوا تسبيح الحصى في مجلس سيد الكاملين صلى الله عليه وسلم، والتسبيح الحالي مما لا ينكره أحد من المسلمين، وقرره بعض الصوفية بأن لكل شيء خاصية ليست لغيره وكما لا يخصه دون ماعداه فهو يشتاقه ويطلبه إذا لم يكن حاصلا له ويحفظه ويحبه إذا حصل فهو بإظهار خاصيته ينزه الله تعالى من الشريك وإلا لم يكن متوحدا فيها فلسان حاله يقول أوحده على ما وحدني وبطلب كماله ينزهه سبحانه عن صفات النقص كأنه يقول يا كامل كملني وبإظهار كماله كأنه يقول كملني الكامل المكمل وعلى هذا القياس، وحينئذ يقال: تسبحه السموات بالكمال والتأثير والربوبية وبأنه كل يوم هو في شأن ونحو ذلك، والأرض بالخلاقية والرزاقية والحرمة إلى غير ذلك، والملائكة بالعلم والقدرة والتجرد عن المادة على القول بأنهم أرواح مجردة وهكذا * (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) * (الإسراء: 45) من الجهل وعمى القلب فلا يرون حقيقتك القدسية ولا يدركون منك إلا الصورة البشرية، وإنما خص ذلك بوقت قراءة القرآن مع أنهم في كل وقت هم أجهل الخلق به صلى الله عليه وسلم لأن في ذلك الوقت يظهر إشراق أنوار الصفات عليه عليه الصلاة والسلام فإذا كانوا محجوبين إذ ذاك كانوا في غيره من الأوقات أحجب وأحجب * (وجعلنا على قلوبهم أكنة) * من الغشاوات الطبيعية والهيئات البدنية * (أن يفقهوه) * فإن القرآن كلامه تعالى وهو أحد صفاته وإذا لم يعرفوا نبيه صلى الله عليه وسلم لم يعرفوه عز وجل وإذا لم يعرفوه سبحانه لم يعرفوا صفاته تعالى فلم يعرفوا كلامه سبحانه * (وفي آذانهم وقر) * لرسوخ أوساخ التعلقات فيها يمنعهم عن سماع القراءة وهذا ناشيء من جهلهم بأفعاله تعالى * (وإذا ذكرت ربك في القرءان وحده ولوا على أدبارهم نفورا) * (الإسراء: 46) لتشتت أهوائهم وتفرق همهم في عبادة آلهتهم المتنوعة فلا تناسب الوحدة بواطنهم * (يوم يدعوكم) * (الإسراء: 52) للقيام من القبور * (فتستجيبون بحمده) * (الإسراء: 52) حامدين له تعالى مجده بلسان القال أو بلسان الحال حيث أظهر فيكم الحياة بعد الموت ونحو ذلك.
* (وتظنون إن لبثتم) * في القبور أو في الدنيا * (إلا قليلا) * لذهولكم عن ذلك الزمان أو لاستقصاركم الدنيا بالنسبة إلى الآخرة * (ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم) * فيه إشارة إلى أن المشيئة تابعة لعلم فمن علم سبحانه أهليته للرحمة شاء تعالى رحمته فرحمه ومن علم جل وعلا أهليته للعذاب شاء عذابه فعذبه، ولا يخفى ما في تقديم شق مشيئة الحرمة من تقوية الأمل * (أولئك الذين يدعون) * أي يدعونهم الكفار ويعبدونهم * (يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) * أي يطلب الأقرب منهم الوسيلة إلى الله تعالى فكيف بغير الأقرب والوسيلة في الأصل الواسطة التي يتوسل ويتقرب بها إلى الشيء وهي هنا الطاعة كما تقدم.
وقيل هي كرمه تعالى القديم وإحسانه عز وجل العميم. وقيل هي الشافعة يوم القيامة، ولما كان مقام الوسيلة بهذا المعنى خاصا بنبينا صلى الله عليه وسلم أطلقوا الوسيلة عليه عليه الصلاة والسلام، وفسرها بذلك هنا بعض الصوفية فكل من عبد من دون الله تعالى عيسى وعزير والملائكة عليهم السلام وسيلتهم إلى الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم بل هو عليه الصلاة والسلام وسيلة سائر الموجودات والواسطة بينهم وبين الله تعالى في إفاضته سبحانه الوجود وكذا سائر ما أفيض عليهم وأحظى الخلق بوساطته الأنبياء عليهم السلام فإنهم أشعة أنواره وعكوسات آثاره وهو النور الحق والنبي المطلق وكان نبيا وآدم بين الماء والطين وقد تلقى الأنبياء منه من وراء حجاب الأرحام والأصلاب وظهروا إذ كان محتجبا ظهور الكواكب في الليل فلما بزغت شمس النبوة
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»