تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٤٥
فالسواد والبياض مثلا مندرجان تحت جنس وهو اللون فيكون كل منهما مركبا لا تركيبا جسمانيا، ومثل هذا يقال هنا كيف لا ويقد قالوا: الجوهر مقول على النفس والجسم.
وأما الثاني فمداره الاستقراء، ويضعف ذلك لوجهين. أحدهما: أنه لا يمكننا أن نحكم على كل إنسان بكونه قابلا لجميع المدركات. وثانيهما أنه لا يمكننا أيضا أن نحكم على النفس التي علمنا قبولها لصفة أنها قابلة لجميع الصفات كيف وضبط الصفات غير ممكن.
وأما الثالث: فهو يقتضي أن يكون جميع المفارقات نوعا واحدا وهو مما لا سبيل إليه، وذهب شرذمة إلى اختلافها بالنوع، وهذا المعتبر عند صاحب المعتبر وطول الكلام في ذلك، وأحسن ما عول عليه في الاستدلال له اختلاف الناس في العلم والجهل والقوة والضعف والغضب والتحمل وغير ذلك فقال: ليس ذلك لاختلاف المزاج لما أنا نجد متساويين مزاجا مختلفين أخلاقا وبالعكس، وأيضا أن نفس النبي عليه الصلاة والسلام تبلغ قوتها إلى حيث تكون قوية على التصرف في هيولي هذا العالم ومعلوم أن ذلك ليس لقوة مزاجه فليس ذلك الاختلاف إلا لاختلاف الجواهر، وأنت تعلم أن هذا ليس في الحقيقة من البراهين بل هو من الاقناعات الضعيفة فتدبر جميع ما ذكرناه وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة للكلام في هذا المقام وهو لعمر الله تعالى طويل الذيل، وبالجملة ان الوقوف على حقيقة الروح أمر عسر والطريق إليه وعر، وقد جعل الله سبحانه ذلك من أعظم آياته الدالة على جلال ذاته وكمال صفاته فسبحانه من إله ما أجله ومن رب ما أكمله.
* (فقعوا له ساجدين) * أمر للملائكة عليهم السلام بالسجود لآدم عليه السلام على وجه التحية والتعظيم أو لله تعالى وهو عليه السلام بمنزلة القبلة حيث ظهرت فيه تعاجيب آثار قدرته عز وجل كقوله حسان: أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعلم الناس بالقرآن والسنن وفي أمرهم بالوقوع أي السقوط دليل على أن ليس المأمور به مجرد الانحناء كما قيل بل السجود بالمعنى المتبادر.
* (فسجد المل‍ائكة كلهم أجمعون) * .
* (فسجد المل‍ائكة) * أي فخلقه فسواه فنفخ فيه من روحه فسجد له الملائكة * (كلهم) * بحيث لم يشذ منهم أحد * (أجمعون) * بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد بل أوقعوا الفعل مجتمعين في وقت واحد، هذا على ما ذهب إليه الفراء والمبرد من دلالة أجميع على الاجتماع في وقت الفعل، وقال البصريون: انها ككل لافادة العموم مطلقا.
ومن هنا منع تعاطفما فلا يقال جاء القوم كلهما وأجمعون وردوا على ذلك بقوله تعالى حكاية عن إبليس: * (لأغوينهم أجمعين) * (الحجر: 39) لظهور أن لا اجتماع هناك. ورده في الكشف بأن الاشتقاق من الجمع يقتضيه لأنه ينصرف إلى أكمل الأحوال فإذا فهمت الاحاطة من لفظ آخر وهو كل ملم يكن بد من كونه في وقت واحد وإلا كان لغوا، والرد بالآية منشؤه عدم تصور وجه الدلالة، ومنه يعلم وجه فساد النظر بأنه لو كان الأمر كذلك لكان حالا لا تأكيدا، فالحق في المسألة مع الفراء. والمبرد وذلك هو الموافق لبلاغة التنزيل، وزعم البصريون أنه إنما أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ومنع التخصيص.
وزعم غير واحد أنه لا يؤكد بأجمع دون كل اختيارا والمختار وفاقا لأبي حيان جوازه لكقرة وروده
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»