يموت عند النفخة الأولى وبينها وبين النفخة الثانية التي يقوم فيها الخلق لرب العالمين أربعون سنة، ونقل عن الأحنف بن قيس عليه الرحمة أنه قال: قدمت المدينة أريد أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه فإذا أنا بخلقة عظيمة وكعب الأحبار فيها وهو يقول: لما حضر آدم عليه السلام الوفاة قال: يا رب سيشمت بي عدوي إبليس إذا رآني ميتا وهو منتظر إلى يوم القيامة فأجيب أن يا آدم إنك سترد إلى الجنة ويؤخر اللعين إلى النظرة ليذوق ألم الموت بعدد الأولين والآخرين، ثم قال لملك الموت: صف لي كيف تذيقه الموت؟ فلما وصفه قال: يا رب حسبي فضج الناس وقالوا: يا أبا إسحق كيف ذلك؟ فأبى وألحوا فقال: يقول الله سبحانه لملك الموت عقيب النفخة الأولى قد جعلت فيك قوة أهل السموات وأهل الأرضين السبع وإني اليوم ألبستك ثواب السخط والغضب كلها فابرز بغضبي وسطوتي على رجيمي إبليس فأذقه الموت وأحمل عليه فيه مرارة الأولين والآخرين من الثقلين أضعافا مضاعفة وليكن معك من الزبانية سبعون ألفا قد امتلأوا غيظا وغضبا وليكن مع كل منهم سلسلة من سلاسل جهنم وغل من أغلالها وانزع روحه المنتن بسبعين ألف كلاب من كلاليبها وناد مالكا ليفتح أبواب النيران فينزل الملك بصورة لو نظر إلهيا أهل السموات والأرضين لماتوا بغتة من هولها فينتهي إلى إبليس فيقول: قف لي يا خبيث لأذيقنك الموت كم من عمر أدركت وقرن أضللت وهذا هو الوقت المعلوم قال: فيهرب اللعين إلى المشرق فإذا هو بملك الموت بين عينيه فيهرب إلى المغرب فإذا هو به بين عينيه فيغوص البحاري فيثير منها البخاري فلا تقبله فلا يزال يهرب في الأرض ولا محيص له ولا ملاذ ثم يقوم في وسط الدنيا عند قبر آدم عليه السلام ويتمرغ في التراب من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق حتى إذا كان في الموضع الذي أهبط فيه آدم عليه السلام وقد نصبت له الزبانية الكلاليب وصارت الأرض كالجمرة احتوشته الزبانية وطعنوه بالكلاليب فيبقى في النزع والعذاب إلى حيث يشاء الله تعالى، ويقال: آدم وحواء عليهما السلام اطلعا اليوم على عدو كما يذوق الموت فيطلعان فينظران إلى ما هو فيه من شدة العذاب فيقولان ربنا أتممت علينا نعمتك، وجاء في بعض الأخبار أنه حين لا يجد مفرا يأتي قبر آدم عليه السلام فيحثو التراب على رأسه وينادي يا آدم أنت أصل بليتي فيقال له: يا إبليس اسجد الآن لآدم عليه السلام فيرتفع عنك ما ترى فيقول: كلا لم أسجد له حيا فكيف أسجد له ميتا، وهذا إن صح يدل على أن اللعين من العناد بمكان لا تصل إلى غايته الأذهان.
* (قال رب بمآ أغويتنى لأزينن لهم فى الارض ولأغوينهم أجمعين) * .
* (قال رب بما أغويتني) * أي بسبب إغوائك إياي * (لأزينن) * أي أقسم لأزينن * (لهم) * أي لذريته وهو مفهوم من السياق وإن لم يجر له ذكر، وقد جاء مصرحا به في قوله تعالى حكاية عن اللعين أيضا: * (لأحتنكن ذريته) * (الإسراء: 62) ومفعول * (أزينن) * محذوف أي المعاصي * (في الأرض) * أي هذا الجرم المدحو وكأن اللعين أشار بذلك إلى أني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة في السماء فإنا على التزيين لذريته في الأرض أقدر، ويجوز أنه أراد بالأرض الدنيا لأنها محل متاعها ودارها، وذكر بعضهم أن هذا المعنى عرفى للأرض وأنها إنما ذكرت بهذا اللفظ تحقيرا لها، ولعل التقييد على ما قيل للإشارة إلى أن للتزين محلا يقوي قبوله أي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور، وجوز أن يكون يراد بها هذا المعنى وينزل الفعل منزلة اللازم ثم يعدى بفي، وفي ذلك دلالة على أنها مستقر التزيين وأنه تمكن المظروف في ظرفه، ونحوه قول ذي الرمة: