تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢٤٢
من السابق. وأجيب بأن القائل به لعله أراد بجزاء ما عملت العقاب، وعلى تقدير إرادة الأعم فهذا تكرار للتأكيد ووجه ضمير الجمع ظاهر.
* (وضرب الله مثلا قرية كانت ءامنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) * .
* (وضرب الله مثلا قرية) * أي أهل قرية وذلك إما بإطلاق القرية وإرادة أهلها وإما بتقدير مضاف، وانتصابه على أنه مفعول أول - لضرب - على تضمينه معنى الجعل، وأخر لئلا يفصل الثاني بين الموصوف وصفته وما يترتب عليها، وتأخيره عن الكل مخل بتجاوب أطراف النظم الجليل وتجاذبه، ولأن تأخير ما حقه التقديم مما يورث النفس شوقا لوروده لا سيما إذا كان في المقدم ما يدعو إليه كما هنا فيتمكن عند وروده فضل تمكن، وعن الزجاج أن النصب على البدلية والأصل عندهم ضرب الله مثلا مثل قرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، والمراد بالقرية إما قرية محققة من قرى الأولين، وإما مقدرة ووجود المشبه به غير لازم، ولم يجوز ذلك أبو حيان لمكان * (ولقد جاءهم رسول منهم) * (النحل: 113) وأنت تعلم أنه غير مانع.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس. ومجاهد أنها مكة، وروى هذا عن ابن زيد. وقتادة. وعطية، وأخرج ابن أبي حاتم. وغيره عن سليم بن عمر قال: صحبت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خارجة من مكة إلى المدينة فأخبرت أن عثمان قد قتل فرجعت وقالت: ارجعوا بي فوالذي نفسي بيده إنها للقرية التي قال الله تعالى وتلت ما في الآية، ولعلها أرادت أنها مثلها؛ ويمكن حمل ما روى عن الحبر ومن معه على ذلك، والمعنى جعلها الله تعالى مثلا لأهل مكة أو لكل قوم أنعم الله تعالى عليهم فأبطرتهم النعمة ففعلوا ما فعلوا فجوزوا بما جوزوا، ودخل فيهم أهل مكة دخولا أوليا. ولعله المختار * (كانت ءامنة) * قيل: ذات أمن لا يأتي عليها ما يوجب الخوف كما يأتي على بعض القرى من إغارة أهل الشر عليها وطلب الإيقاع بها * (مطمئنة) * ساكنة قارة لا يحدث فيها ما يوجب الانزعاج كما يحدث في بعض القرى من الفتان بين أهاليها ووقوع بعضهم في بعض فإنها قلما تأمن من إغارة شرير عليها وهيهات هيهات أن ترى شخصين متصادقين فيها: والمرء يخشى من أبيه وابنه * ويخونه فيها أخوه وجاره وقيل: يفهم من كلام بعضهم أن الاطمئنان أثر الأمن ولازمه من حيث أن الخوف يوجب الانزعاج وينافي الاطمئنان، وفي " البحر " أنه زيادة في الأمن * (يأتيها رزقها) * إقواتها * (رغدا) * واسعا * (من كل مكان) * من جميع نواحيها، وغير أسلوب هذه الصفة عما تقدم إلى ما ترى لما أن إتيان الرزق متجدد وكونها آمنة مطمئنة ثابت مستمر، وذكر الإمام أن الآية تضمنت ثلاث نعم جمعها قولهم: ثلاثة ليس لها نهاية * الأمن والصحة والكفاية فآمنة إشارة إلى الأمن و * (مطمئنة) * إلى الصحة و * (يأتيها رزقها) * الخ إلى الكفاية، وجعل سبب الاطمئنان ملاءمة هواء البلد لأمزجة أهله وفيه تأمل * (فكفرت بأنعم الله) * جمع نعمة كشدة وأشد على ترك الاعتداد بالتاء لأن المطرد جمع فعل على أفعال لا فعلة، وقال الفاضل اليمني: اسم جمع للنعمة، وقطرب جمع نعم بضم النون كبؤس وأبؤس، والنعم عنده بمعنى النعيم، وحمل على ذلك قولهم: هذا يوم طعم ونعم، وعند غيره بمعنى النعمة، والمراد بالنعم ما تضمنته الآية قبل؛ ولعله في قوة نعم كثيرة بل هو كذلك، وفي إيثار جمع القلة إيذان بأن كفران نعم قليلة أوجبت هذا العذاب فما ظنك بكفران نعم كثيرة * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) *
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»