تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢٣٨
قال صلى الله عليه وسلم إن عادوا فعد فنزلت هذه الآية، وكأن الأمر بالعود في الرواية الأولى للترخيص بناء على ما قال النسفي أنه أدنى مراتبه وكذا الأمر في الرواية الثانية أن اعتبر مقيدا بما قيد به في الرواية الأولى، وأما إن اعتبر مقيدا بطمأنينة القلب كما في الهداية أي عد إلى جعلها نصب عينيك وأثبت عليها فالأمر للوجوب، والآية دليل على جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإكراه وإن كان الأفضل أن يتجنب عن ذلك إعزازا للدين ولو تيقن القتل كما فعل ياسر وسمية وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة بل هو كالقتل في الغزو كما صرحوا به. وقد أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن وعبد الرازق في تفسيره عن معمر أن مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله قال: فما تقول في؟ فقال: أنا أصم فأعاد عليه ثلاثا فأعاد ذلك في جوابه فقتله فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما فقال: أما الأول فقد أخذ برخصة الله تعالى، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له. وفي أحكام الجصاص أنه يجب على المكره على الكفر إخطار أنه لا يريده فإن لم يخطر بباله ذلك كفر. وفي " شرح المنهاج " لابن حجر لا توجد ردة مكره على مكفر قلبه مطمئن بالإيمان للآية، وكذا إن تجرد قلبه عنهما فيما يتجه ترجيحه لإطلاقهم أن المكره لا يلزمه التورية فافهم، وقال القاضي: يجب على المكره تعريض النفس للقتل ولا يباح له التلفظ بالكفر لأنه كذب وهو قبيح لذاته فيقبح على كل حال ولو جاز أن يخرج عن القبح لرعاية بعض المصالح لم يمتنع أن يفعل الله سبحانه الكذب لها وحينئذ لا يبقى وثوق بوعده تعالى ووعيده لاحتمال أنه سبحانه فعل الكذب لرعاية المصلحة التي لا يعلمها إلا هو، ورده ظاهر، وهذا الخلاف فيما إذا تعين على المكره إما التزام الكذب وإما تعريض النفس للتلف وإلا فمتى أمكنه نحو التعريض أو إخراج الكلام على نية الاستفهام الإنكاري لم يجب عليه تعريض النفس لذلك إجماعا. واستدل بإباحة التلفظ بالكفر عند الإكراه على إباحة سائر المعاصي عنده أيضا وفيه بحث، فقد ذكر الإمام أن من المعاصي ما يجب فعله عند الإكراه كشرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير فإن حفظ النفس عن الفوات واجب فحيث تعين الأكل سبيلا ولا ضرر فيه لحيوان ولا إهانة لحق الله تعالى وجب لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * ومنها ما يحرم كقتل إنسان محترم أو قطع عضو من أعضائه وفي وجوب القصاص على المكره قولان للشافعي عليه الرحمة، وذكر أن من الأفعال ما لا يقبل الإكراه ومثل بالزنا لأن الإكراه يوجب الخوف الشديد وذلك يمنع من انتشار الآلة فحيث دل الزنا في الوجود علمنا أنه وقع بالاختيار لا على سبيل الإكراه، وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله.
* (ذالك بأنهم استحبوا الحيواة الدنيا على الاخرة وأن الله لا يهدى القوم الك‍افرين) * .
* (ذلك) * إشارة إلى الكفر بعد الإيمان أو الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى: * (فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) * أو المذكور من الغضب والعذاب * (بأنهم) * أي بسبب أن الشارحين صدورهم بالكفر * (استحبوا الحياة الدنيا) * أي آثروها وقدموها ولتضمن الاستحباب معنى الإيثار قيل * (على الآخرة) * فعدى بعلى، والمراد على ما في " البحر " أنهم فعلوا فعل المستحبين ذلك وإلا فهم غير مصدقين بالآخرة.
* (وأن الله لا يهدي) * إلى الإيمان وإلى ما يوجب الثبات عليه، وقيل: إلى الجنة. ورده الإمام وفسر بعضهم
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»