تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢٣٥
الذين لا يهديهم الله تعالى لا يؤمنون بآياته ولكنه قدم وأخر تتميما لتقبيح حالهم وللتشنيع بخطئهم كما في قوله تعالى: * (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) * (الصف: 5) ويؤدي مؤدى التقديم والتأخير ما ذكره الجلبي، أولا والأكثر لا يخلو عن دغدغة.
وقال القاضي: أقوى ما قيل في الآية ما ذكر أولا، وكونه تفسيرا للمعتزلة مناسبا لأصولهم فيه نظر، وأيا ما كان فالمراد من الآية التهديد والوعيد لأولئك الكفرة على ما هم عليه من الكفر بآيات الله تعالى ونسبة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الافتراء والتعلم من البشر بعد إماطة شبهتهم ورد طعنهم [بم وقوله سبحانه:
* (إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآي‍ات الله وأول‍ائك هم الك‍اذبون) * .
* (وأول‍ائك هم الك‍اذبون) * إشارة إلى قريش القائلين: إنما أنت مفتر وهو تصريح عبد التعريض ليكون كالوسم عليهم، وهذا الأسلوب أبلغ من أن يقال: أنتم معشر قريش مفترون لما أشير إليه، وإقامة الدليل على أنهم كذلك وأن من زنوه به لا يجوز أن يتعلق بذيله نشب منه أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه لا يترقب عقابا عليه وقريش كذلك فهم الكاذبون أو إشارة إلى * (الذين لا يؤمنون) * فيستمر الكلام على وتيرة واحدة، والمعنى أن الكاذب بالحقيقة هذا الكاذب على ما قرروه في قوله تعالى: * (وأولئك هم المفلحون) * واللام للجنس وهو شهادة عليهم بالكمال في الافتراء، فالكذب في الحقيقة مقيد بالكذب بآيات الله تعالى، وأطلق إشعارا بأن لا كذب فوقه ليكون كالحجة على كمال الافتراء أو الكذب غير مقيد على هذا الوجه على معنى أنهم الذين عادتهم الكذب فلذلك اجترؤا على تكذيب آيات الله تعالى دلالة على أن ذلك لا يصدر إلا ممن لهج بالكذب قيله، ويدل على اعتبار هذا المعنى التعبير بالجملة الاسمية ولذا عطفت على الفعلية، وفيه قلب حسن وإشارة إلى أن قريشا لما كان من عادتهم الكذب أخذوا يكذبون بآيات الله تعالى ومن أتى بها، ثم لم يرضوا بذلك حتى نسبوا من شهدوا له بالأمانة والصدق إلى الافتراء.
وموضع الحسن الإيماء إلى سبق حالتي النبي صلى الله عليه وسلم وقريش أو الكذب مقيد على هذا الوجه أيضا بما نسبوا إليه عليه الصلاة والسلام من الافتراء، و * (الذين لا يؤمنون) * على هذا المراد به قريش من إقامة الظاهر مقام المضمر، وإيثار المضارع على الماضي دلالة على استمرار عدم إيمانهم وتجدده عقب نزول كل آية واستحضارا لذلك وهذا الوجه أيضا بما نسبوا إليه عليه الصلاة والسلام من الافتراء، و * (الذين لا يؤمنون) * على هذا المراد به قريش من إقامة الظاهر مقام المضمر، وإيثار المضارع على الماضي دلالة على استمرار عدم إيمانهم وتجدده عقب نزول كل آية واستحضارا لذلك وهذا الوجه مرجوح بالنسبة إلى السوابق، وقد ذكر هذه الأوجه صاحب الكشاف وقد حررها بما ذكر المولى المدقق في كشفه، والحصر في سائرها غير حقيقي، ولا استدراك في الآية لا سيما على الأول منها، وهي من الكلام المنصف في بعضها. وتعلقها بقوله سبحانه حكاية عنهم: * (إنما أنت مفتر) * (النحل: 101) لأنها كما سمعت لرده، وتوسيط ما وسط لما لا يخفى من شدة اتصاله بالرد الأول.
* (من كفر بالله من بعد إيم‍انه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيم‍ان ول‍اكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) * .
* (من كفر بالله) * أي بكلمة الكفر * (من بعد إيمانه) * به تعالى. وهذا بحسب الظاهر ابتداء كلام لبيان حال من كفر بآيات الله تعالى بعدما آمن بها بعد بيان حال من لم يؤمن بها رأسا و * (من) * موصولة محلها الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة * (فعليهم غضب) * الآتي عليه وحذف مثل ذلك كثير في الكلام، وجوز أيضا الرفع وكذا النصب على القطع لقصد الذم أي هم أو أذم من كفر والقطع للذم والمدح وإن تعورف في النعت، و * (من) * لا يوصف بها لكن لا مانع من اعتباره في غيره كالبدل وقد نص عليه سيبويه. نعم قال أبو حيان: إن النصب على الذم بعيد. وأجاز الحوفي. والزمخشري كونها بدلا من * (الذين لا يؤمنون بآيات الله) * وقوله تعالى: * (وأولئك هم الكاذبون) * اعتراض بينهما. واعترضه أبو حيان.
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»