تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢٣٢
من الحجج القاطعة والأدلة الساطعة أو على الإيمان بأنه كلامه تعالى فانهم إذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية المصالح رسخت عقائدهم واطمأنت به قلوبهم، وأول بعضهم الآية على هذا الوجه بقوله: ليبين ثباتهم وتعقب بأنه لا حاجة إليه إذا لتثبيت بعد النسخ لم يكن قبله فإن نظر إلى مطلق الإيمان صح. وقرىء * (ليثبت) * من الأفعال.
* (وهدى وبشرى للمسلمين) * عطف على محل * (ليثبت) * عند الزمخشري ومن تابعه وهو نظير زرتك لأحدثك واجلالا لك أي تثبيتا وهداية وبشارة، وتعقب بأنه إذا اعتبر الكل فعل المنزل على الإسناد المجازي لم يكن للفرق بادخال اللام في البعض والترك في البعض وجه ظاهر، وكذا إذا اعتبر فعل الله تعالى كما هو كذلك على الحقيقة وإذا اعتبر البعض فعل المنزل ليتحد فاعل المصدر وفاعل المعلل به فيترك اللام له والبعض الآخر فعل الله تعالى ليختلف الفاعل فيؤتي باللام لم يكن لهذا التخصيص وجه ظاهر أيضا ويفوت به حسن النظم.
وقال الخفاجي يوجه ترك اللام في المعطوف دون المعطوف عليه مع وجود شرط الترك فيهما بأن المصدر المسبوك معرفة على ما تقرر في العربية والمفعول له الصريح وإن لم يجب تنكيره كما عزى للرياشي فخلافه قليل كقوله: وأغفر عوراء الكريم ادخاره.
ففرق بينهما تفننا وجريا على الأفصح فيهما، والنكتة فيه أن التثبيت أمر عارض بعد حصول المثبت عليه فاختير فيه صيغة الحدوث مع ذكر الفاعل إشارة إلى أنه فعل لله تعالى مختص به بخلاف الهداية والبشارة فإنهما يكونان بالواسطة، وقيل: إن وجود الشرط مجوز لا موجب والاختيار مرجح مع ما في ذلك من فائدة بيان جواز الوجهين، وفيه أنه لا يصلح وجها عند التحقيق، وقد اعترض أبو حيان هنا بما تقدم في الكلام على قوله تعالى: * (لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة) * (النحل: 64)، وذكر أنه لا يمتنع أن يكون العطف على المصدر المنسبك لأنه مجرور فيكون * (هدى وبشرى) * مجرورين، وجوز أبو البقاء أن يكونا مرفوعين على أنهما خبرا مبتدأ محذوف أي وهو هدى وبشرى، والجملة في موضع الحال من الهاء في دنزله) *.
والمراد بالمسلمين الذين آمنوا، والعدول عن ضميرهم لمدحهم بكلا العنوانين، وفسر بعضهم الإسلام بمعناه اللغوي فقيل: إن ذلك ليفيد بعد توصيفهم بالإيمان، والظاهر * (أن للمسلمين) * قيد للهدى والبشرى ولم أر من تعرض لجواز كونه قيدا للبشرى فقط كما تعرض لذلك في قوله تعالى: * (هدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * على ما سمعت هناك. وفي هذه الآية على ما قالوا تعريض لحصول أضداد الأمور المذكورة لمن سوى المذكورين من الكفار من حيث ان قوله تعالى: * (قل نزله) * جواب لقولهم: * (إنما أنت مفتر) * فيكفي فيه * (قل نزله روح القدس) * فالزيادة لمكان التعريض وقال الطيبي إن * (نزله روح القدس) * بدل نزل الله فيه زيادة تصوير في الجواب وزيد قوله تعالى: * (بالحق) * لينبه على دفع الطعن بألطف الوجوه ثم نعى قبيح أفعالهم بقوله تعالى: * (ليثبت) * الخ تعريضا بأنهم متزلزلون ضالوان موبخون منذرون بالخزى والنكال واللعن في الدنيا والآخة * (وأن) * عذابهم في خلاف ذلك ليزيد في غيظهم وحنقهم، وفي الكلام ما هو قريب من الأسلوب الحكيم اه‍ فتأمل.
* (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وه‍اذا لسان عربى مبين) * .
* (ولقد نعلم أنهم يقولون) * غير ما نقل عنهم من المقالة الشنعاء * (إنما يعلمه) * أي يعلم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وهو الذي يقتضيه ظاهر كلام قتادة. ومجاهد: وغيرهما واختير كون الضمير للقرآن ليوافق ضمير * (أنزله) * أي يقولون إنما يعلم القرآن النبي عليه الصلاة والسلام * (بشر) * على طريق البت مع ظهور أنه نزوله روح القدس عليه عليه الصلاة والسلام، وتأكيد الجملة لتحقيق ما تتضمنه من الوعيد، وصيغة الاستقبال لإفادة استمرار العلم
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»