تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢٣٠
تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) * الخ بأن ثمة دليلا قائما على المجاز فترك الظاهر له بخلاف ما نحن فيه، والظاهر أن المراد بالشيطان ابليس وأعوانه، وقيل: هو عام في كل متمردعات من جن وإنس، وتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها لغيره عليه الصلاة والسلام وفي سائر الأعمال الصالحة أهم فإنه صلى الله عليه وسلم حيث أمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فما الظن بمن عداه عليه الصلاة والسلام فيما عدا القراءة من الأعمال.
* (إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون) * .
* (إنه) * الضمير للشأن أو للشيطان * (ليس له سلطان) * تسلط واستيلاء على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) * أي إليه تعالى لا إلى غيره سبحانه يفوضون أمورهم وبه يعوذون فالمراد نفي التسلط بعد الاستعاذة فتكون الجملة تعليلا للأمر بها أو لجوابه المنوى أي أن يعذك ونحوه.
وقال البعض: المراد نفي ذلك مطلقا، قال أبو حيان: وهو الذي يقتضيه ظاهر الأخبار وتعقب بأنه إذا لم يكن له تسلط فلم أمروا بالاستعاذة منه. وأجيب بأن المراد نفي ما عظم من التسلط. وقد أخرج ابن جرير. وغيره عن سفيان الثوري أنه قال في الآية: ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر لهم والاستعاذة من المحتقران فهم لا يطيعون أوامره ولا يقبلون وساوسه إلا فيما يحتقرونه على ندور غفلة فأمروا بالاستعاذة منه لمزيد الاعتناء بحفظهم، وقد ذهب إلى هذا البيضاوي ثم قال: فذكر السلطنة بعد الأمر بالاستعاذة لئلا يتوهم منه أن له سلطانا.
وفي الكشف أن هذه الجملة جارية مجرى البيان للاستعاذة المأمور بها وأنه لا يكفي فيها مجرد القول الفارغ عن اللجأ إلى الله تعالى واللجأ إنما هو بالإيمان أولا والتوكل ثانيا، وأيا ما كان فوجه ترك العطف ظاهر وايثار صيغة الماضي في الصلة الأولى للدلالة على التحقيق كما أن اختيار صيغة الاستقبال في الثانية لإفادة الاستمرار التجددي، وفي التعرض لوصف الربوبية تأكيد لنفي السلطان عن المؤمنين المتوكلين.
* (إنما سلط‍انه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) * .
* (إنما سلطانه على الذين يتولونه) * أي يجعلونه واليا عليهم فيحبونه ويطيعونه ويستجيبون دعوته فالمراد بالسلطان التسلط والولاية بالدعوة المستتبعة للاستجابة لا ما يعم ذلك والتسلط بالقسر والإلجاء فإن في جعل التولي صلة * (ما) * يفصح بنفي أرادة التسلط القسري فإن المقسور بمعزل عنه بهذا المعنى، وقد نفى هذا أيضا عن الكفرة في قوله تعالى حكاية عن اللعين: * (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم) * (إبراهيم: 22) فاستجبتم لي * (والذين هم به) * أي بسبب الشيطان وإغوائه إياهم * (مشركون) * بالله تعالى، وقيل: أي بإشراكهم الشيطان مشركون بالله تعالى، وجوز أن يكون الضمير للرب تعالى شأنه والباء للتعدية، وروي ذلك عن مجاهد ورجح الأول باتحاد الضمائر فيه مع تبادره إلى الذهن، وفي إرشاد العقل السليم ما يشعر باختيار الأخير، وذكر فيه أيضا أن قصر سلطان اللعين على المذكورين غب نفيه عن المؤمنين المتوكلين دليل على أنه لا واسطة في الخارج بين التوكل على الله تعالى وتولي الشيطان وإن كان بينهما واسطة في المفهوم وأن من لم يتوكل عليه تعالى ينتظم في سلك من يتولي الشيطان من حيث لا يحتسب إذ به يتم التعليل، ففيه مبالغة في الحمل على التوكل والتحذير عن مقابله.
وإيثار الجملة الفعلية الاستقبالية في الصلة الأولى لما مر آنفا والاسمية في الثانية للدلالة على الثبات، وتكرير الموصول للاحتراز عن توهم كون الصلة الثانية حالية مفيدة لعدم دخول غير المشركين من أولياء الشيطان تحت سلطانه.
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»