القيامة الكبرى * (وما أمر الساعة) * أي القيامة الكبرى بالقياس إلى الأمور الزمانية * (إلا كلمح البصر أو هو أقرب) * وهو بناء على التمثيل وإلا فقد قيل: إن أمر الساعة ليس بزماني وما كان كذلك يدركه من يدركه لا في الزمان * (إن الله على كل شيء قدير) * (النحل: 77) ومن ذلك أمر الساعة * (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) * (النحل: 78) الآية، قال في أسرار القرآن: أخبر سبحانه أنه أخرجهم من بطون الأقدار وأرحام العدم وأصلاب المشيئة على نعت الجهل لا يعلمون شيئا من أحكام الربوبية وأمور العبودية وأوصاف الأزل فألبسهم أسماعا من نور سمعه وكساهم أبصارا من نور بصره وأودع في قلوبهم علوم لعلهم يشكرونه انتهى. وهو ظاهر في أن المراد بالأفئدة القلوب.
وذكر بعض من أدركناه من المرتاضين في كتابه " الفوائد " وشرحه أن مشاعر الإنسان الصدر، والمراد به الخيال والنفس الكلية التي هي محل الصور العلمية كلية أو جزئية فهو محل العلم المقابل للجهل، والقلب وهو محل المعاني واليقين بالنسب الحكمية ويقابله الشك والريب، والفؤاد وهو محل المعارف الإلهية المجرد عن جميع الصور والنسب والأوضاع والإشارات والجهات والأوقات ويقابلها الإنكار وهو أعلى المشاعر، ونور الله تعالى المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى " وهو الوجود لأنه الجهة العليا من الإنسان أعني وجهه من جهة ربه وبه يعرف الله تعالى وهو في الإنسان بمنزلة الملك في المدينة والقلب بمنزلة الوزير له انتهى، وله أيضا كلام في الأم وكذا في الأب غير ما ذكر، وذلك أنه يطلق الأب على المادة والأم على الصورة، وزعم أن قول الصادق رضي الله تعالى عنه: إن الله تعالى خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن أخو ا لمؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة إشارة إلى ذلك وأن ما اصطلح عليه المتقدمون والحكماء من أن الأب هو الصورة والأم هي المادة وأن الصورة إذا نكحت المادة تولد عنهما الشيء توهما منهم أن النشور والخلق في بطن المادة بعيد من جهة المناسبة إلى آخر ما قال فتفطن وإياك أن تعدل عن الطريق السوي * (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء) * فيه إشارة إلى تسخير طير القوى الروحانية والنفسانية من الفكر والعقل النظري والعملي بل الوهم والتخيل في فضاء عالم الأرواح * (ما يمسكهن) * من غير تعلق بمادة ولا اعتماد على جسم ثقيل * (إلا الله) * (النحل: 79) عز وجل * (والله جعل لكم مما خلق ظلالا) * وهو ما يستظل به من وهج نار الحاجة فالماء ظل للعطشان والطعام ظل للجيعان وكل ما يقوم بحاجة شخص ظل له، وفي الخبر السلطان ظل الله تعالى في الأرض يأوي إليه كل مظلوم، وقيل: الظلال الأولياء يستظل بهم المريدون من شدة حر الهجران ويأوون إليهم من قهر الطغيان، وقد يؤل قوله تعالى: * (وجعل لكم من الجبال أكنانا) * بنحو هذا فما أشبه الأولياء بالجبال * (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) * فيه إشارة إلى ما جعل للعارفين من سرابيل روح الأنس لئلا يحترقوا بنيران القدس وأشار تعالى بقوله جل جلاله: * (وسرابيل تقيكم بأسكم) * إلى ما من به من المعرفة والمحبة ليدفع بذلك كيد الشياطين والنفوس * (كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) * (النحل: 81) تنقادون لأمره سبحانه في العبودية وتخضعون لعز الربوية، قال ابن عطاء: تمام النعمة السكون إلى المنعم، وقال حمدون: تمامها في الدنيا المعرفة وفي الآخرة الرؤية، وقال أبو محمد الحريري: تمامها خلو القلب من الشرك الخفي وسلامة