النفس من الرياء والسمعة * (يعرفون نعمة الله) * وهي هداية النبي أو وجوده بقوة الفطرة * (ثم ينكرونها) * لعنادهم وغلبة صفات نفوسهم * (وأكثرهم الكافرون) * لشهادة فطرهم بحقيته * (ويوم نبعث كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا) * في الاعتذار عن التخلف عن دعوته إذ لا عذر لهم * (ولا هم يستعتبون) * (النحل: 84) لأنهم قد حق عليهم القول بمقتضى استعدادهم نسأل الله تعالى العفو والعافية * (والقوا إلى الله يومئذ السلم) * (النحل: 87) قيل: هذا في الموقف الثاني حين تضعف غواشي أنفسهم المظلمة وترق حجبها الكثيفة وأما في الموقف الأول حين قوة هيآت الرذائل وشدة شكيمة النفس في الشيطنة فلا يستسلمون كما يشير إليه قوله تعالى: * (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم) * وقيل: المستسلمون بعض والحالفون بعض فافهم والله تعالى أعلم.
* (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) * .
* (الذين كفروا) * في أنفسهم * (وصدوا) * غيرهم * (عن سبيل الله) * بمنع من يريد الإسلام عنه وبحمل من استخفوه على الكفر فالصد عن السبيل أعم من المنع عنه ابتداء وبقاء كذا قيل: والظاهر الأول، والظاهر أن الموصول مبتدأ وقوله تعالى: * (زدناهم عذابا فوق العذاب) * خبره، وجوز ابن عطية كون الموصول بدلا من فاعل * (يفترون) * ويكون * (زدناهم) * مستأنفا، وجوز بعضهم كون الأول نصبا على الذم أو رفعا عليه فيضمر الناصب والمبتدأ وجوبا و * (زدناهم) * بحاله، وهذه الزيادة إما بالشدة أو بنوع آخر من العذاب والثاني هو المأثور، فقد أخرج ابن مردويه. والخطيب عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: " عقارب أمثال النخل الطوال ينهشونهم في جهنم " وروى نحوه الحاكم وصححه. والبيهقي. وغيره عن ابن مسعود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال: إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار فإذا أتوه تلقاهم عقارب كأنهن البغال الدهم وأفاعي كأنهم البخاتي فتضربهم فذلك الزيادة، وعن ابن عباس أنها أنهار من صفر مذاب يسيل من تحت العرش يعذبون بها، وعن الزجاج يخرجون من حر النار إلى الزمهرير فيبادرون من شدة برده إلى النار * (بما كانوا يفسدون) * متعلق - بزدناهم - أي زدناهم عذابا فوق العذاب الذي يستحقونه بكفرهم بسبب استمرارهم على الإفساد وهو الصد عن السبيل، وجوز أن يفسر ذلك بما هو أعم من الكفر والصد، والمعنى زدناهم عذابا فوق عذابهم الذي يستحقونه بمجرد الكفر والصد بسبب استمرارهم على هذين الأمرين القبيحين، ووجه ذلك أن البقاء على المعصية يومين مثلا أقبح من البقاء عليها يوما والبقاء ثلاثة أيام أقبح من البقاء يومين وهكذا، ومن هنا قالوا: الإصرار على الصغيرة كبيرة، وقيل: إن أهل جهنم يستحقون من العذاب مرتبة مخصوصة هي ما يكون لهم أول دخولها والزيادة عليها إنما هي لحفظها إذ لو لم تزد لألفوها وطابت أنفسهم بها كمن وضع يده في ماء حار مثلا فإنه يجد أول زمان وضعها ما لا يجده بعد مضي ساعة وهو كما ترى.
* (ويوم نبعث فى كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هاؤلآء ونزلنا عليك الكتابتبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * .
* (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم) * وهو كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نبيهم الذي بعث فيهم في الدنيا، ومعنى كونه * (من أنفسهم) * أنه منهم، وذلك ليكون أقطع للمعذرة، ولا يرد لوط عليه السلام فإنه لما تأهل فيهم وسكن معهم عد منهم أيضا، وقال ابن عطية: يجوز أن يبعث الله تعالى شهداء من الصالحين مع الأنبياء عليهم السلام، وقد قال بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم: إذا رأيت أحدا على معصية فانهه فإن