تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ٢١٥
الآية بما قبلها ظاهر، والدليل على تقدير الوصف المخصص لشيء المقام وأن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي لبيان الدين، ولذا أجيب السؤال عن الأهلة بما أجيب، وقال صلى الله عليه وسلم: " أنتم أعلم بأمور دنياكم " وكون الكتاب تبيانا لذلك باعتبار أن فيه نصا على البعض وإحالة للبعض الآخر على السنة حيث أمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل فيه: * (وما ينطق عن الهوى) * (النجم: 3) وحثا على الإجماع في قوله سبحانه: * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * (النساء: 115) الآية فإنها على ما روي عن الشافعي وجماعة دليل الإجماع، وقد رضي صلى الله عليه وسلم لأمته باتباع أصحابه حيث قال عليه الصلاة والسلام: * (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) * وقد اجتهدوا وقاسوا ووطؤا طرق الاجتهاد فكانت السنة والإجماع والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب، وقال بعض: * (كل) * للتكثير والتفخيم كما في قوله تعالى: * (تدمر كل شيء بأمر ربها) * (الأحقاف: 25) إذ يأبى الإحاطة والتعميم ما في التبيان من المبالغة في البيان وأن من أمور الدين تخصيصا لا يقتضيه المقام. ورد الثاني بما سمعت آنفا؛ والأول بأن المبالغة بحسب الكمية لا الكيفية كما قيل في قوله تعالى: * (وما ربك بظلام للعبيد) * (فصلت: 46) إنه من قولك: فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده، ومنه قوله سبحانه: * (وما للظالمين من أنصار) * (البقرة: 270) وقال بعضهم: لكل من القولين وجهة والمرجح للأول إبقاء * (كل) * على حقيقتها في الجملة، وتعقب بأنه يرجح الثاني إبقاء * (شيء) * على العموم وسلامته من التقدير الذي هو خلاف الأصل ومن المجاز على قول. نعم ذهب أكثر المفسرين إلى اعتبار التخصيص وروي ذلك عن مجاهد.
وقال الجلال المحلي في الرد على من لم يجوز تخصيص السنة بالكتاب: إنه يدل على الجواز قوله تعالى: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) * وإن خص من عمومه ما خص بغير القرآن، وتوجيه كونه تبيانا لكل ما يتعلق بالدين بما تقدم هو الذي يقتضيه كلام غير واحد من الأجلة، فعن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال مرة بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم عنه من كتاب الله تعالى فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمانعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " وحدثنا سفيان عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه أمر بقتل المحرم الزنبور، وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: " لعن الله تعالى الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى " فقالت له امرأة في ذلك فقال: مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى فقالت له: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * (الحشر: 7) قالت: بلى. قال: فإنه عليه الصلاة والسلام قد نهى عنه.
وذهب بعضهم إلى ما يقتضيه ظاهر الآية غير قائل بالتخصيص ولا بأن * (كل) * للتكثير فقال: ما من شيء من أمر الدين والدنيا ألا يمكن استخراجه من القرآن وقد بين فيه كل شيء بيانا بليغا واعتبر في ذلك مراتب الناس في الفهم فرب شيء يكون بيانا بليغا لقوم ولا يكون كذلك لآخرين بل قد يكون بيانا لواحد ولا يكون بيانا لآخر فضلا عن كون البيان بليغا أو غير بليغ وليس هذا التفاوت قوى البصائر، ونظير ذلك اختلاف مراتب الإحساس لتفاوت قوى الإبصار، وقيل: معنى كونه تبيانا أنه كذلك في نفسه وهو لا يستدعي وجود مبين
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»