تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٣٢
مفعول * (قالوا) * وعمل فيه لأنه في معنى الجملة كمقال قصيده أو صفة مصدر أي قولا خيرا، وهذه الجملة بدل منه فمحلها النصب أو مفسرة له فلا محل لها من الأعراب، وعلى التقديرين مقولهم في الحقيقة * (للذين أحسنوا) * الخ إلا أن الله سبحانه سماه خيرا ثم حكاه كما تقول: قال فلان جميلا من قصدنا وجب حقه علينا، وعلى ما ذكر لا يكون دلالة النصب على ما مر لما أشير إليه هناك وإنما تكون من حيث شهادة اللهتعالى بخيرية قولهم ويحتمل جعل ذلك كما الكشف مفعول * (أنزل) * ويكون تسميته خيرا من الله تعالى كما قوله سبحانه: * (ليقولن خلقهن العزيز العليم) * (الزخرف: 9) ليشعر أول ما يقرع السمع بالمطابقة من غير نظر إلى فهم معناه؛ وأما قولهم: " للذين أحسنوا " أي قالوا أنزل هذه المقالة فإن ما يفهم من المطابقة بعد تدبر المعنى، وزعم بعضهم أنه لا يجوز جعله منصوبا - بأنزل - لأن هذا القول ليس منزلا من الله تعالى، وفيه تفوت المطابقة حينئذ وهو كلام ناشىء من قلة التدبر. وفي البحر الظاهر أن * (للذين) * الخ مندرج تحت القول وهو تفسير للخير الذي أنزل الله تعالى في الوحي، وظاهره أنه وجه آخر غير ما ذكر وفيه رد على الزاعم أيضا، ولعل اقتصارهم على هذا من بين المنزل لأنه كلام جامع وفيه ترغيب للسائل، والمختار من هذه الأوجه عند جمع هو الأول بل قيل إنه الوجه.
* (جن‍ات عدن يدخلونها تجرى من تحتها الأنه‍ار لهم فيها ما يشآءون كذلك يجزى الله المتقين) * .
* (جنات عدن) * خبر مبتدأ محذوف كما اختاره الزجاج وابن الأنباري أي هي جنات، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي لهم جنات أو هو المخصوص بالمدح * (يدخلونها) * نعت لجنات عند الحوفي بناء على أن * (عدن) * نكرة وكذلك دتجري من تحتها الأنهار) * وكلاهما حال عند غير واحد بناء على أنها علم. وجوزوا أن يكون * (جنات) * مبتدأ وجملة " يدخلونها " خبره وجملة تجري الخ حال، وقرأ زيد بن ثابت. وأبو عبد الرحمن جنات بالنصب على الاشتغال أي يدخلون جنات عدن يدخلونها، قال أبو حيان: وهذه القراءة تقوى كون " جنات " مرفوعا مبتدأ والجملة بعده خبره، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما " ولنعمة دار المتقين " بتاء مضمومة ودار مخفوضة فيكون " نعمة " مبتدأ مضافا إلى دار وجنات خبره. وقرأ اسمعيل بن جعفر عن نافع " يدخلونها " بالياء على الغيبة والفعل مبني للمفعول، ورويت عن أبي جعفر، وشيبة * (لهم فيها) * أي في تلك الجنات * (ما يشاؤون) * الظرف الأول خبر - لما - والثاني حال منه، والعامل ما في الأول من معنى الحصول والاستقرار أو متعلق به لذلك أي حاصل لهم فيها ما يشاؤون من أنواع المشتهيات وتقديمه للاحتراز عن توهم تعلقه بالمشيئة أو لما مر غير مرة من أن تأخير ما حقه التقديم يوجب ترقب النفس إليه فيتمكن عند وروده فضل تمكن. وذكر بعضهم أن تقديم فيها للحصر وما للعموم بقرينة المقام فيفيد أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة فتأمله. والجملة في موضع الحال نظير ما تقدم، وزعم أن لهم متعلق بتجري أي تجري من تحتها الأنهار لنفعهم " وفيها ما يشاؤون " مبتدأ وخبر في موضع الحال لا يخفى حاله عند ذوي التمييز * (كذالك) * مثل ذلك الجزاء إلا وفي * (يجزي الله المتقين) * أي جنسهم فيشمل كل من يقتي من الشرك والمعاصي وقيل من الشرك ويدخل فيه المتقون المذكورون دخولا أوليا ويكون فيه بعث لغيرهم على التقوى أو المذكورين فيكون فيه تحسير للكفرة، قيل: وهذه الجملة تؤيد كون قوله سبحانه " للذين أحسنوا " عدة فإن جعل ذلك جزاء لهم ينظر إلى الوعد به من الله تعالى وإذا كان مقول
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»