بناء على إرادة الأصنام لأن شعور الجماد بالأمور الظاهرة بديهي الاستحالة عند كل أحد فكيف بما لا يعلمه إلا العليم الخبير. وفي " البحر " أن فيه تهكما بالمشركين وأن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم ليجازوهم على عبادتهم إياهم، ولعل هذا جار على سائر الاحتمالات في الآلهة، وفيه تنبيه على أن البعث من لوازم التكليف لأنه للجزاء والجزاء للتكليف فيكون هو له وأن معرفة وقته لا بد منه في الألوهية، وقيل: ضميرا * (يشعرون - ويبعثون) * للآلهة ويلزم من نفي شعورهم بوقت بعثهم نفي شعورهم بوقت بعث عبدتهم وهو الذي يقتضيه الظاهر، ومن جوز أن يكون المراد من الأموات الكفرة الضلال جعل ضميري الجمع هنا لهم، والكلام خارج مخرج الوعيد أي وما يشعر أولئك المشركون متى يبعثون إلى التعذيب، وقيل: الكلام تم عند قوله تعالى: * (وما يشعرون) * و * (إيان يبعثون) * ظرف [بم لقوله سبحانه:
* (إلاهكم إلاه واحد فالذين لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) * .
* (إلاهكم إلاه واحد) * على معنى أن الإله واحد يوم القيامة نظير * (مالك يوم الدين) * (الفاتحة: 4) قال أبو حيان: ولا يصح هذا القول لأن أيان إذ ذاك تخرج عما استقر فيها من كونها ظرفا إما استفهاما أو شرطا وتتمحض للظرفية بمعنى وقت مضافا للجملة بعده نحو وقت يقوم زيد أقوم، على أن هذا التعلق في نفسه خلاف الظاهر، والظاهر أن قوله سبحانه: * (إلهكم) * تصريح بالمدعي وتلخيص للنتيجة غب إقامة الحجة * (فالذين لا يؤمنون بالآخرة) * وأحوالها التي من جملتها البعث وما يعقبه من الجزاء * (قلوبهم منكرة) * للوحدانية جاحدة لها أو للآيات الدالة عليها * (وهم مستكبرون) * عن الاعتراف بها أو عن الآيات الدالة عليها، والفاء للإيذان بأن إصرارهم على الإنكار واستمرارهم على الاستكبار وقع موقع النتيجة للدلائل الظاهرة والبراهين القطعية فهي للسببية كما في قولك: أحسنت إلى زيد فإنه أحسن إلي، والمعنى أنه قد ثبت بما قرر من الدلائل والحجج اختصاص الإلهية به سبحانه فكان من نتيجة ذلك إصرارهم على الإنكار واستمرارهم على الاستكبار، وبناء الحكم على الموصول للإشعار بعلية ما في حيز الصلة له، فإن الكفر بالآخرة وبما فيها من البعث والجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب يؤدي إلى قصر النظر على العاجل وعدم الالتفات إلى الدلائل الموجب لإنكارها وإنكار موداها والاستكبار عن اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام والإيمان به، وأما الإيمان بها وبما فيها فيدعو لا محالة إلى الالتفات إلى الدلائل والتأمل فيها رغبة ورهبة فيورث ذلك يقينا بالوحدانية وخضوعا لأمر الله تعالى قاله بعض المحققين.
ومن الناس من قال: المراد وهم مستكبرون عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه، فيكون الإنكار إشارة إلى كفرهم بالله تعالى والاستكبار إشارة إلى كفرهم برسوله صلى الله عليه وسلم والأول أظهر، وإسناد الإنكار إلى القلوب لأنها محله وهو أبلغ من إسناده إليهم، ولعله إنما لم يسلك في إسناد الاستكبار مثل ذلك لأنه أثر ظاهر كما تشير إليه الآية بعد؛ وقد قال بعض العلماء: كل ذنب يمكن التستر به وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان.
* (لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) * .
* (لا جرم) * أي حق أو حقا * (أن الله يعلم ما يسرون) * من الإنكار * (وما يعلنون) * من الاستكبار، وقال يحيى بن سلام. والنقاش: المراد هنا بما يسرون تشاورهم في دار الندوة في قتل النبي عليه الصلاة والسلام، وهو كما ترى، وأيا ما كان فالمراد من العلم بذلك