وقال قتادة: الخضوع، ولا بعد بين القولين. والمراد عليهما أنهم أظهروا الانقياد والخضوع، وأصل الالقاء في الأجسام فاستعمل في إظهارهم الانقياد وإشعارا بغاية خضوعهم وانقيادهم وجعل ذلك اكلشيء الملقى بين يدي القاهر الغالب. والجملة قيل عطف على قوله تعالى: * (ويقول أين شركائي) * (النحل: 27) وما بينهما جملة اعتراضية جيء بها تحقيقا لما حاق بهم من الخزى على رؤوس الاشهاد. وكان الظاهر فيلقون إلى آخره إلا أنه عبر بصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع أي يقول لهم سبحانه ذلك فيستسلمون وينقادون ويتركون المشاقة وينزلون عما كانوا عليه في الدينا من الكبر وشدة الشكيمة، ولعله مراد من قال: إن الكلام قد تم عند قوله تعالى: * (أنفسهم) * ثم عاد إلى حكاية حالهم يوم القيامة، وقيل: عطف على * (قال الذين) * (النحل: 7) وجوز أبو البقاء. وغيره العطف على * (تتوفاهم) * واستظهره أبو حيان، لكن قال الشهاب: إنه إنما يتمشى على كون * (تتوفاهم) * بمعنى الماضي، وقد تقدم لك القول بأن الجملة خبر * (الذين) * مع ما فيه. واعترض الأول بأن قوله تعالى: * (ما كنا نعمل من سوء) * إما أن يكون منصوبا بقول مضمر وذلك القول حال من ضمير * (ألقوا) * أي ألقوا السلم قائلين ما كنا إلى آخره أو تفسيرا للسلم الذي ألقوه بناء على أن المراد به القول الدال عليه بدليل الآية الأخرى * (فألقوا إليهم القول) * (النحل: 86) وأياما كان فذلك العطف يقتضي وقوع هذا القول منهم يوم القيامة وهو كذب صريح ولا يجوز وقوعه يومئذ.
وأجيب بأن المراد ما كنا عاملين السوء في اعتقادنا أي كان اعتقادنا أن عملنا غير سيء، وهذا نظير ما قيل في تأويل قولهم * (والله ربنا ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23) وقد تعقب بأنه لا يلائمه الرد عليهم * (ببلى إن الله) * إلى آخره لظهور أنه لإبطال النفي ولا يقال: الرد على من جحد واستيقنت نفسه لأنه يكون كذبا أيضا فلا يفيد التأويل. ومن الناس من قال بجواز وقوع الكذب يوم القيامة، وعليه فلا اشكال، ولا يخفى أن هذا البحث جار على تقدير كون العطف على * (قال الذين) * أيضا إذ يقتضي كالأول وقوع القول يوم القيامة وهو مدار البحث. واختار شيخ الإسلام عليه الرحمة العطف السابق وقال: إنه جواب عن قوله سبحانه: * (أين شركائي) * وأرادوا بالسوء الشرك منكرين صدوره عنهم، ونفى أن يكون جوابا عن قول أولى العلم ادعاء لعدم استحقاقهم لما دهمهم من الخزى والسوء، ولعله متعين على تقدير العطف على * (قال الذين) * إلى آخره، وإذا كان العطف على * (تتوفاهم الملائكة) * كان الغرض من قولهم هذا الصادر منهم عند معاينتهم الموت استعطاف الملائكة عليهم السلام بنفي صدور ما يوجب استحقاق ما يعانونه عند ذلك، وقيل: المراد بالسوء الفعل السيء أعم من الشرك وغيره ويدخل فيه الشرك دخولا أوليا أي ما كنا نعمل سوأ ما فضلا عن الشرك، و * (من) * على كل حال زائدة و * (سوء) * مفعول لنعمل * (بلى) * رد عليهم من قبل الله تعالى أو من قبل أولى العلم أو من قبل الملائكة عليهم السلام، ويتعين الأخير على كون القول عند معاينة الموت ومعاناته أي بلى كنتم تعلمون ما تعملون.
إن الله عليم بما كنتم تعملون) * فهو يجازيكم عليه وهذا أوانه.
* (فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) * .
* (فادخلوا أبواب جهنم) * خطاب لكل صنف منهم أن يدخل بابا من أبواب جهنم، والمراد بها اما المنفذ أو الطبقة، ولا يجوز أن يكون خطابا لكل فرد لئلا يلزم دخول الفرد من الكفار من أبواب متعددة أو يكون لجهنم أبواب بعدد الأفراد، وجوز أن يراد