نحو ما مر آنفا، وقيل: * (ما) * مصدرية وضمير * (به) * للرسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يذكر، والمراد أحاط بهم جزاء استهزائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم أو موصولة عامة للرسول عليه الصلاة والسلام وغيره وضمير * (به) * عائد عليها والمعنى على الجزاء أيضا، ولا يخفى ما فيه، وإياما كان * (فبه) * متعلق - بيستهزؤون - قدم للقاصلة، هذا ثم ان قوله تعالى: * (هل ينظرون) * الخ على ما في الكشف رجوع إلى عد ما هم فيه من العناد والاستشراء في الفساد وأنهم لا يقلعون عن ذلك كأسلافهم الغابرين إلى يوم التناد، وما وقع من أحوال اضدادهم في البين كان لزيادة التحسير والتبكيت والتخسير، وفيه دلالة على أن الحجة قد تمت وأنه صلى الله عليه وسلم أدى ما عليه من البلاغ المبين، وقوله تعالى: * (فأصابهم) * (النحل: 33) عطف على * (فعل الذين من قبلهم) * (النحل: 32) مترتب إذ المعنى كذلك التكذيب والشرك فعل أسلافهم وأصابهم ما أصابهم، وفيه تحذير مما فعله هؤلاء وتذكير لقوله سبحانه: * (قد مكر الذين من قبلهم) * (النحل: 26) ولا يخفى حسن الترتب على ذلك لأن التكذيب والشرك تسببا لإصابة السيئات لمن قبلهم، وقوله سبحانه: * (وما ظلمنهم الله) * (النحل: 33) اعتراض واقع حاق موقعه، وجعل ذلك راجعا إلى المفهوم من قوله تعالى: * (هل ينظرون) * أي كذلك كان من قبلهم مكذبين لزمتهم الحجة منتظرين فاصابهم ما كانوا منتظرين سديد حسن إلا أن معتمد الكلام الأول وهو أقرب مأخذا، ودلالة * (فعل) * عليه أظهر، فهذه فذلكة ضمنت محصل ما قابلوا به تلك النعم والبصائر وأدمج فيها تسليته صلى الله عليه وسلم والبشرى بقلب الدائرة على من تربص به وبأصحابه عليه الصلاة والسلام الدوائر وختمت بما يدل على أنهم انقطعوا فاحتجوا بآخر ما يحتج به المحجوج يتقلب عليه فلا يبصر إلا وهو مثلوج مشجوج وهو ما تضمنه قوله تعالى:
* (وقال الذين أشركوا لو شآء الله ما عبدنا من دونه من شىء نحن ولاءاباؤنا ولا حرمنا من دونه من شىء كذالك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) * .
* (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء) * فهو من تتمة قوله سبحانه: * (هل ينظرون) * ألا ترى كيف ختم بنحوه آخر مجادلاتهم في سورة الأنعام في قوله سبحانه: * (سيقول الذين أشركوا) * (الأنعام: 148) وكذلك في سورة الزخرف ولا تراهم يتشبثون بالمشيئة إلا عند انخزال الحجة * (وقالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة) * (الزخرف) ويكفي في الانقلاب ما يشير إليه قوله سبحانه: * (قل فلله الحجة البالغة) * وفي إرشاد العقل السليم أن هذه الآية بيان لفن آخر من كفر أهل مكة فهم المراد بالموصول، والعدول عن الضمير إليه لتقريعهم بما في حيز الصلة وذمهم بذلك من أول الأمر، والمعنى لو شاء الله تعالى عدم عبادتنا لشيء غيره سبحانه كما تقول ما عبدنا ذلك * (نحن ولا ءاباؤنا) * الذين نهتدي بهم في دينا * (ولا حرمنا من دونه من شيء) * من السوائب والبحائر وغيرها - فمن - الأولى بيانية والثانية زائدة لتأكيد الاستغراق وكذا الثالثة * (ونحن) * لتأكيد ضمير * (عبدنا) * لا لتصحيح العطف لوجود الفاصل وإن كان محسنا له، وتقدير مفعول * (شاء) * عدم العبادة مما صرح به بعضهم، وكان الظاهر أن يضم إليه عدم التحريم. واعترض تقدير ذلك بأن العدم لا يحتاج إلى المشيئة كما ينبىء عنه قوله صلى الله عليه وسلم: " ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن " حيث لم يقل عليه الصلاة والسلام ما شاء الله تعالى كان وما شاء عدم كونه لم يكن بل يكفي فيه عدم مشيئة الوجود، وهو معنى قولهم: علة العدم عدم علة الوجود، فالأولى أن يقدر المفعول وجوديا كالتوحيد والتحليل وكامتثال ما جئت به والأمر في ذلك سهل.
وفي تخصيص الاشراك والتحريم بالنفي لأنهما أعظم وأشهر ما هم عليه، وغرضهم من ذلك كما قال بعض المحققين تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام والطعن في الرسالة رأسا، فإن حاصله إن ما شاء الله تعالى يجب وما لم يشأ يمتنع فلو أنه سبحانه شاء أن نوحده ولا نشرك به شيئا ونحلل ما أحله ولا نحرم شيئا مما حرمنا كما تقول الرسل