تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٤ - الصفحة ١٣٠
بالأبواب أصناف العذاب، فقد جاء إطلاق الباب على الصنف كما يقال: فلان ينظر في باب من العلم أي صنف منه وحينئذ لا مانع في كون الخطاب لكل فرد، وأبعد من قال: المراد بتلك الأبواب قبور الكفرة المملوءة عذابا مستدلا بما جاء " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " * (خ‍الدين فيها) * حال مقدرة أن أريد بالدخول حدوثه، ومقارنة ان أريد به مطلق الكون، وضمير * (فيها) * قيل: للأبواب بمعنى الطبقات، وقيل: لجهنم، والتزم هذا وكون الحال مقدرة من أبعد، وحمل الخلود على المكث الطويل للاستغناء عن هذا الالتزام وان كان واقعا في كلامهم خلاف المعهود في القرآن الكريم * (فلبئس مثوى المتكبرين) * أي عن التوحيد، وذكرهم بعنوان التكبر للاشعار بعليته لثوائهم فيها، وقد وصف سبحانه الكفار فيما تقدم بالاستكبار وهنا بالتكبر، وذكر الراغب أنهما والكبر تتقارب فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من اعجابه بنفسه، والاستكبار على وجهين: أحدهما أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا، وذلك متى كان على ما يحب وفي المكان الذي يحب وفي الوقت الذي يحب وهو محمود. والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له وهو مذموم، والتكبر على وجهين أيضا. الأول أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا وصف الله تعالى بالمتكبر. والثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك في وصف عامة الناس، والتكبر على الوجه الأول محمود وعلى الثاني مذموم، والمخصوص بالذم محذوف أي جهنم أو أبوابها أن فسرت بالطبقات؛ والفاء عاطفة، واللام جيء بها للتأكيد اعتناء بالذم لما أن القوم ضالون مضلون كما ينبىء عنه قوله تعالى: * (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) * (النحل: 25) وللتأكيد اعتناء بالمدح جيء باللام أيضا فيما بعد من قوله سبحانه: * (ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين) * (النحل: 30) لأن أولئك القوم على ضد هؤلاء هادون مهديون، وكأنه لعدم هذا المقتضى في آيتي الزمر والمؤمن لم يؤت باللام، وقيل: * (فبس مثوى المتكبرين) * (الزمر: 72) وقيل: التأكيد متوجه لما يفهم من الجملة من أن جهنم مثواهم، وحيث أنه لم يفهم من الآيات قبل هنا فهمه منها قبل آيتي تينك السورتين جيء بالتأكيد هناك ولم يجىء به هنا اكتفاء بما هو كالصريح في إفادة أنها مثواهم مما ستسمعه إن شاء الله تعالى هناك.
* (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا فى هاذه الدنيا حسنة ولدار الاخرة خير ولنعم دار المتقين) * .
* (وقيل للذين اتقوا) * أي المؤمنين، وصفوا بذلك اشعارا بأن ما صدر عنهم من الجواب ناشىءمن التقوى.
* (ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) * أي أنزل خيرا * (فماذا) * اسم واحد مركب للاسفهام بمعنى أي شيء محله النصب * (بأنزل) * و * (خيرا) * مفعول لفعل محذوف، وفي اختيار ذلك دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب وأطبقوه على السؤال معترفين بالإنزال على خلاف الكفرة حيث عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا: هو * (أساطير الأولين) * وليس من الإنزال في شيء. نعم قرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (خير) * بالرفع - فما - اسم استفهام و * (ذا) * اسم موصول بمعنى الذي أي أي شيء الذي أنزله ربكم، و * (خير * (خبر مبتدأ محذوف فيتوافق جملتا الجواب والسؤال في كون كل منهما جملة اسمية، وجعل * (ماذا) * منصوبا على المفعولية كما مر ورفع * (خير) * على الخبرية لمبتدأ جائز إلا أنه خلاف الأول، وفي الكشف أنه يظهر من الوقوف على مراد صاحب الكشاف في هذا المقام إن فائدة النصب مع أن الرفع أقوى دفع الالتباس ليكون نصا في المطلوب كما أوثر النصب في
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»