تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٥
السلام بوحي من الله تعالى لما علم سبحانه في ذلك من الصلاح ولما أراد من محنتهم بذلك، ويؤيده قوله سبحانه: * (وكذلك كدنا ليوسف) * (يوسف: 76) وقرأ اليماني * (إنكم سارقون) * بلا لام.
* (قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون) * .
* (قالوا) * أي الإخوة * (وأقبلوا عليهم) * أي على طالبي السقاية المفهوم من الكلام أو على المؤذن إن كان أريد منه جمع كأنه عليه السلام جعل مؤذنين ينادون بذلك على ما في " البحر "، والجملة في موضع الحال من ضمير * (قالوا) * جىء بها للدلالة على انزعاجهم مما سمعوه لمباينته لحالهم أي قالوا مقبلين عليهم * (ماذا تفقدون) * أي أي شيء تفقدون أو ما الذي تفقدونه؟ والققد كما قال الراغب: عدم الشيء بعد وجوده فهو أخص من العدم فإنه يقال له ولما لم يوجد أصلا، وقيل: هو عدم الشيء بأن يضل عنك لا بفعلك، وحاصل المعنى ما ضاع منكم؟ وصيغة المستقبل لاستحضار الصورة.
وقرأ السلمي * (تفقدون) * بضم التاء من أفقدته إذا وجدته فقيدا نحو أحمدته إذا وجدته محمودا. وضعف أبو حاتم هذه القراءة ووجهها ما ذكر، وعلى القراءتين فالعدول عما يقتضيه الظاهر من قولهم: ماذا سرق منكم على ما قيل لبيان كمال نزاهتهم بإظهار أنه لم يسرق منهم شيء فضلا عن أن يكونوا هم السارقين له، وإنما الممكن أن يضيع منهم شيء فيسألونهم ماذا؟، وفيه إرشاد لهم إلى مراعاة حسن الأدب والاحتراز عن المجازفة ونسبة البراء إلى ما لا خير فيه لا سيما بطريق التأكيد فلذلك غيروا كلامهم حيث قالوا في جوابهم:
* (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جآء به حمل بعير وأنا به زعيم) * .
* (قالوا نفقد صواع الملك) * ولم يقولوا سرقتموه أو سرق، وقيل: كان الظاهر أن يبادروا بالإنكار ونفى أن يكونوا سارقين ولكنهم قالوا ذلك طلبا لإكمال الدعوى إذ يجوز أن يكون فيها ما تبطل به فلا تحتاج إلى خصام، وعدلوا عن ماذا سرق منكم؟ إلى ما في " النظم الجليل " لما ذكر آنفا، والصواع بوزن غراب المكيال وهو السقاية ولم يعبر بها مبالغة في الإفهام والإفصاح؛ ولذا أعاد الفعل، وصيغة المستقبل لما تقدم أو للمشاكلة.
وقرأ الحسن. وأبو حيوة. وابن جبير فيما نقل ابن عطية كما قرأ الجمهور إلا أنهم كسروا الصاد، وقرأ أبو هريرة. ومجاهد * (صاع) * بغير واو على وزن فعل فالألف فيه بدل من الواو المفتوحة. وقرأ أبو رجاء * (صوع) * بوزن قوس.
وقرأ عبد الله بن عون بن أبي أرطبان * (صوع) * بضم الصاد وكلها لغات في الصاع، وهو مما يذكر ويؤنث وأبو عبيدة لم يحفظ التأنيث، وقرأ الحسن. وابن جبير فيما نقل عنهما صاحب اللوامح، * (صواغ) * بالغين المعجمة على وزن غراب أيضا، وقرأ يحيى بن يعمر كذلك إلا أنه حذف الألف وسكن الواو، وقرأ زيد بن علي * (صوغ) * على أنه مصدر من صاغ يصوغ أريد به المفعول، وكذا يراد من صواغ وصوغ في القراءتين أي نفقد مصوغ الملك * (ولمن جاء به) * أي أتى به مطلقا ولو من عند نفسه، وقيل: من دل على سارقه وفضحه * (حمل بعير) * أي من الطعام جعلا له، والحمل على ما في " مجمع البيان " بالكسر لما انفصل وبالفتح لما اتصل، وكأنه أشار إلى ما ذكره الراغب من أن الحمل بالفتح يقال في الأثقال المحمولة في الباطن كالولد في البطن والماء في السحاب والثمرة في الشجرة * (وأنا به زعيم) * أي كفيل أؤديه إليه وهو قول المؤذن.
واستدل بذلك كما في الهداية وشروحها على جواز تعليق الكفالة بالشروط لأنه مناديه علق الالتزام
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»