تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٩
ذلك، وأنه لا كفارة على عائن قيل: لأن العين لا تعد مهلكا عادة على أن التأثير يقع عندها لا بها حتى بالنظر للظاهر، وهذا بخلاف الساحر فإنهم صرحوا بأنه يقتل إذا أقرأن سحره يقتل غالبا. ونقل عن المالكية أنه لا فرق بين الساحر والعائن فيقتلان إذا قتلا؛ ثم إن العين على ما نقل عن الرازي لا تؤثر ممن له نفس شريفة لما في ذلك من الاستعظام للشيء. وفيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده ما يؤيد المدعى، واعترض بما رواه القاضي أن نبيا استكثر قومه فمات منهم في ليلة مائة ألف فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال له سبحانه وتعالى: " إنك ستكثرتهم فعنتهم هلا حصنتهم إذا استكثرتهم فقال: يا رب كيف أحصنهم؟ قال: تقول حصنتكم بالحي القيوم إلى آخر ما تقدم " وقد يجاب بأن ما ذكر الرازي هو الأغلب بل يتعين تأويل هذا إن صح بأن ذلك النبي عليه السلام لما غفل عن الذكر عند الاستكثار عوتب فيهم ليسأل فيعلم فهو كالإصابة بالعين لا أنه عان حقيقة هذا والله تعالى أعلم، ثم إنه عليه السلام لم يكتف بالنهي عن الدخول من باب واحد بل ضم إليه قوله: * (وادخلوا من أبواب متفرقة) * بيانا للمراد به وذلك لأن عدم الدخول من باب واحد غير مستلزم للدخول من أبواب متفرقة وفي دخولهم من بابين أو ثلاثة بعض ما في الدخول من باب واحد من نوع اجتماع مصحح لوقوع المحذور، وإنما لم يكتف بهذا الأمر مع كونه مستلزما للنهي السابق إظهارا لكمال العناية وبه وإيذانا بأنه المراد بالأمر المذكور لا تحقيق شيء آخر * (وما أغنى عنكم) * أي لا أنفعكم ولا أدفع عنكم بتدبيري * (من الله من شيء) * أي من قضائه تعالى عليكم شيئا فإنه لا يغني حذر من قدر، ولم يرد بهذا عليه السلام - كما قيل - الغاء الحذر بالمرة كيف وقد قال سبحانه: * (خذوا حذركم) * (النساء: 71) وقال عز قائلا: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (البقرة: 195) بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة بل هو تدبير وتشبث بالأسباب العادية التي لا تؤثر إلا بإذنه تعالى وإن ذلك ليس بمدافعة للمقدر بل هو استعانة بالله تعالى وهرب منه إليه * (إن الحكم) * أي ما الحكم مطلقا * (إلا لله) * لا يشاركه أحد ولا يمانعه شيء * (عليه) * سبحانه دون غيره * (توكلت) * في كل ما آتى به وأذر، وفيه دلالة على أن ترتيب الأسباب غير مخل بالتوكل، وفي الخبر " اعقلها وتوكل ".
* (وعليه) * عز سلطانه دون غيره * (فليتوكل المتوكلون) * أي المريدون للتوكل، قيل: جمع بين الواو والفاء في عطف الجملة على الجملة مع تقديم الصلة للاختصاص ليفيد بالواو عطف فعل غيره من تخصيص التوكل بالله تعالى شأنه على فعل نفسه وبالفاء سببية فعله لكونه نبيا لفعل غيره من المقتدين به، وهي على ما صرح به بعضهم زائدة حيث قال: ولا بد من القول بزيادة الفاء وإفادتها السببية، ويلتزم أن الزائد قد يدل على معنى غير التوكيد، وذكر أنه لو اكتفى بالفاء وحدها وقيل: فعليه فليتوكل الخ أفاد تسبب الاختصاص لا أصل التوكل وهو المقصود، وكل ذلك لا يخلو عن بحث. واختار بعضهم أنه جيىء بالفاء إفادة للتأكيد فقط كما هو الأمر الشائع في الحروف الزائدة فتدبر، وأيا ما كان فيدخل بنوه عليه السلام في عموم الأمر دخولا أوليا، وفي هذا الأسلوب ما لا يخفى من حسن هدايتهم وإرشادهم إلى التوكل فيما هم بصدده على الله تعالى شأنه غير معتمدين على ما وصاهم به من التدبير.
* (ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىء إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ول‍اكن أكثر الناس لا يعلمون) * .
* (ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم) * من الأبواب المتفرقة من البلد، قيل: كانت له أربعة أبواب فدخلوا منها، وإنما اكتفى بذكره لاستلزامه الانتهاء عما نهوا عنه،
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»