تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٨
الطعام فتجهزوا إليه واقصدوه تشتروا منه ما تحتاجون إليه فخرجوا حتى قدموا مصر * (فدخلوا عليه) * عليه السلام وهو في مجلس ولايته * (فعرفهم) * لقوة فهمه وعدم مباينة أحوالهم السابقة أحوالهم يوم المفارقة لمفارقته إياهم وهم رجال وتشابه هيآتهم وزيهم في الحالين، ولكون همته معقودة بهم وبمعرفة أحوالهم لا سيما في زمن القحط، ولعله عليه السلام كان مترقبا مجيئهم إليه لما يعلم من تأويل رؤياه. وروى أنهم انتسبوا في الاستئذان عليه فعرفهم وأمر بإنزالهم، ولذلك قال الحسن: ما عرفهم حتى تعرفوا إليه. وتعقب ذلك في الانتصاف بأن توسيط الفاء بين دخولهم عليه ومعرفته لهم يأبى كلام الحسن ويدل على أن مجرد دخولهم عليه استعقبه المعرفة بلا مهلة وفيه تأمل.
* (وهم له منكرون) * أي والحال أنهم منكرون له لنسيانهم له بطول العهد وتباين ما بين حاليه في نفسه ومنزلته وزيه ولاعتقادهم أنه هلك، وقيل: إنما لم يعرفوه لأنه عليه السلام أوقفهم موقف ذوي الحاجات بعيدا منه وكلمهم بالواسطة؛ وقيل: إن ذلك لمحض أنه سبحانه لم يخلق العرفان في قلوبهم تحقيقا لما أخبر أنه سينبئهم بأمرهم وهم لا يشعرون فكان ذلك معجزة له عليه السلام، وقابل المعرفة بالإنكار على ما هو الاستعمال الشائع، فعن الراغب المعرفة والعرفان معرفة الشيء بتفكر في أثره فهو أخص من العلم، وأصله من عرفت أي أصبت عرفه أي رائحته ويضاد المعرفة الإنكار والعلم والجهل، وحيث كان إنكارهم له عليه السلام أمرا مستمرا في حالتي المحضر والمغيب أخبر عنه بالجملة الاسمية بخلاف عرفانه عليه السلام إياهم.
* (ولما جهزهم بجهازهم قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أنىأوفى الكيل وأنا خير المنزلين) * .
* (ولما جهزهم بجهازهم) * أصلحهم بعدتهم وأوقر ركائبهم بما جاؤوا لأجله، ولعله عليه السلام إنما باع كل واحد منهم حمل بعير لما روى أنه عليه السلام كان لا يبيع أحدا من الممتارين أكثر من ذلك تقسيطا بين الناس وفيما يأتي إن شاء الله تعالى من قولهم: * (ونزداد كيل بعير) * (يوسف: 65) ما يؤيده، وأصل الجهاز ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع، وجهاز العروس ما تزف به إلى زوجها، والميت ما يحتاج إليه في دفنه. وقرىء بكسر الجيم * (قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم) * ولم يقل بأخيكم مبالغة في إظهار عدم معرفته لهم كأنه لا يدري من هو ولو أضافه اقتضى معرفته لإشعار الإضافة به، ومن هنا قالوا في أرسل غلاما لك: الغلام غير معروف وفي أرسل غلامك معروف بينك وبين مخاطبك عهد فيه، ولعله عليه السلام إنما قال ذلك لما قيل: من أنهم سألوه حملا زائدا على المعتاد لبنيامين فأعطاهم ذلك وشرط عليهم أن يأتوه به مظهرا لهم أنه يريد أن يعلم صدقهم، وقيل: إنهم لما رأوه فكلموه بالعبرية قال لهم: من أنتم فإني أنكركم؟ فقالوا: نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال: لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادي قالوا: معاذ الله نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب قال: كم أنتم؟ قالوا: كنا اثني عشر فهلك منا واحد، فقال: كم أنتم ههنا؟ قالوا: عشرة. قال: فأين الحادي عشر؟، قالوا: هو عند أبيه يتسلى به عن الهالك. قال: فمن يشهد لكم أنكم لستم عيونا وإن ما تقولون حق؟ قالوا: نحن ببلاد لا يعرفنا فيها أحد فيشهد لنا قال: فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم وهو يحمل رسالة من أبيكم حتى أصدقكم فاقترعوا فأصاب القرعة شمعون، وقيل: إنه عليه السلام هو الذي اختاره لأنه كان أحسنهم رأيا فيه، والمشهور أن الأحسن يهوذا فخلفوه عنده، ومن هذا يعلم سبب هذا القول. وتعقب بأنه لا يساعده ورود الأمر بالإتيان به
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»