تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٧
يحب بقاءه كما استحسن ولده مثلا وإما أن يكره ذلك كما إذا أحس بذلك المستحسن عند عدوه الحاسد هو له، فإن كان الأول فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان خوف شديد من زواله وهو يوجب انحصار الروح في داخل القلب، فحينئذ يسخن القلب والروح جدا ويحصل في الروح الباصر كيفية قوية مسخنة، وإن كان الثاني فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان هم شديد وحزن عظيم بسبب حصول ذلك المستحسن لعدوه، وذلك أيضا يوجب انحصار الروح وحصول الكيفية القوية المسخنة، وفي الصورتين يسخن شعاع العين فيؤثر ولا كذلك في عدم الاستحسان فبان الفرق، ولذلك السبب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العائن بالوضوء ومن أصيب بالاغتسال ا ه‍. وما أشار إليه من أن العائن قد يصيب ولده مثلا مما شهدت له التجربة، لكن أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة، وقال الهيثمى: رجاله رجال الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق يضرها الشيطان وحسد ابن آدم " وظاهره يقتضي خلاف ذلك، وأما ما ذكره من الأمر بالوضوء والاغتسال فقد جاء في بعض الروايات، وكيفية ذلك أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره أي ما يلي جسده من الإزار، وقيل وركيه: وقيل: مذاكيره ويصب الغسالة على رأس المعين وقد مر " إذا استغسلتم فاغسلوا " وهو خطاب للعائنين أي إذا طلب منكم ما اعتيد من الغسل فافعلوا والأمر للندب عند بعض، وقال الماوردي تبعا لجماعة: للوجوب فيجب على العائن أن يغسل ثم يعطي الغسالة للمعين لأنه الذي يقتضيه ظاهر الأمر ولأنه قد جرب ذلك وعلم البرء به ففيه تخليص من الهلاك كاطعام المضطر، وذكر أن ذلك أمر تعبدي وهو مخالف لما أشار إليه الإمام من كون الحكمة فيه تبريد تلك السخونة، وهو مأخوذ من كلام ابن القيم حيث قال في تعليل ذلك: لأنه كما يؤخذ درياق لسم الحية من لحمها يؤخذ علاج هذا الأمر من أثر الشخص العائن، وأثر تلك العين كشعلة نار أصابت الجسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة، وهو على علاته أوفى من كلام الإمام. ويرد على ما قرره في الانتصار للجاحظ أنه لا يسد عنه باب الاعتراض على ما ذكره في كيفية إصابة العين، إذ يرد عليه ما ثبت من أن بعض العائنين قد يصيب ما يوصف له ويمثل ولو كان بينه وبينه فراسخ، والتزام امتداد تلك الأجزاء إلى حيث المصاب مما لا يكاد يقبل كما لا يخفى على ذلك عين. وقال الحكماء واختاره بعض المحققين من أهل السنة: إن ذلك من تأثير النفساني بالجسماني وبنوه على أنه ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة بل قد يكون التأثير نفسيا محضا كما يدل عليه أن اللوح الذي يكون قليل عرض إذا كان موضوعا على الأرض يقدر كل إنسان على المشي عليه ولو كان موضوعا بين جدارين مرتفعين لم يقدر كل أحد على المشي عليه وما ذاك إلا لأن الخوف من السقوط منه يوجب السقوط وأيضا إن الإنسان إذا تصور أن فلانا مؤذيا له حصل في قلبه غضب وتسخن مزاجه، فمبدأ ذلك ليس إلا التصور النفساني بل مبدأ الحركات البدنية مطلقا ليس إلا التصورات النفسانية، ومتى ثبت أن تصور النفس
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»