تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٠
وحاصله لما دخلوا متفرفين * (ما كان) * ذلك الدخول * (يغني عنهم من الله) * من جهته سبحانه * (من شيء) * أي شيئا مما قضاه عليهم جل شأنه، والجمل قيل: جواب * (لما) * والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل لتحقق المقارنة الواجبة بين جواب * (لما) * ومدخولها، فإن عدم الاغناء بالفعل إنما يتحقق عند نزول المحذور لا وقت الدخول وإنما المتحقق حينئذ ما أفاده الجمع المذكورة من عدم كون الدخول مغنيا فيما سيأتي، وليس المراد بيان سببية الدخول المذكور لعدم الإغناء كما في قوله تعالى: * (فلما جاءهم نذير ما زادهم إلانفورا) * فإن مجيىء النذير هناك سبب لزيادة نفورهم بل بيان عدم سببيته للاغناء مع كونها متوقعة في بادىء الرأي حيث أنه وقع حسبما وصاهم به عليه السلام، وهو نظير قولك: حلف أن يعطيني حقي عند حلول الأجل فلما حل لم يعطيني شيئا، فإن المراد بيان عدم سببية حلول الأجل للإعطاء مع كونها مرجوة بموجب الحلف لا بيان سببيته لعدم الإعطاء، فالمآل بيان عدم ترتب الغرض المقصود على التدبير المعهود مع كونه مرجو الوجود لا بيان ترتب عدمه عليه، ويجوز أن يراد ذلك أيضا بناء على ما ذكره عليه السلام في تضاعيف وصيته من أنه لا يغنى عنهم تدبيره من الله تعالى شيئا فكأنه قيل: ولما فعلوا ما وصاهم به لم يفدهم ذلك شيئا ووقع الأمر حسبما قال عليه السلام فلقوا ما لقوا فيكون من باب وقوع المتوقع اه‍، وإلى كون الجواب ما ذكر ذهب أبو حيان وقال: إن فيه حجة لمن زعم أن - لما - حرف وجوب لوجوب لا ظرف زمان بمعنى حين إذ لو كان كذلك ما جاز أن يكون معمولا لما بعد * (ما) * النافية، ولعل من يذهب إلى ظرفيتها يجوز ذلك بناء على أن الظرف يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره، وقال أبو البقاء: في جواب (لما) وجهان. أحدهما أنه (آوى) وهو جواب (لما) الأولى والثانية كقولك: لما جئتك وكلمتك أجبتني وحسن ذلك أن دخولهم على يوسف عليه السلام تعقب دخولهم من الأبواب. والثاني أنه محذوف أي امتثلوا أو قضوا حاجة أبيهم وإلى الوجه الأخير ذهب ابن عطية أيضا ولا يخفى أنه عليه وعلى ما قبله ترتفع غائلة توجيه أمر الترتب، وما أشار إليه صاحب القيل في ثاني وجهيه هو الذي يقتضيه ظاهر كلام كثير من المفسرين حيث ذكروا أن هذا منه تعالى تصديق لما أشار إليه يعقوب عليه السلام في قوله: * (وما أغنى عنكم من الله شيئا) * (يوسف: 67).
واعترض القول بعدم ترتب الغرض على التدبير بأن الغرض ليس إلا دفع إصابة العين لهم وقد تحقق بدخولهم متفرقين وهو وارد أيضا على ما ذكر في الوجه الأخير كما لا يخفى. وأجيب بأن المراد بدفع العين أن لا يمسهم سوء ما، وإنما خصت إصابة العين لظهورها، وقيل: إن ما أصابهم من العين أيضا فلم يترتب الغرض على التدبير بل تخلف ما أراده عليه السلام عن تدبيره، وتعقب بأنه تكتلف، واستظهر أن المراد أنه عليه السلام خشى عليهم شر العين فأصابهم شر أخر لم يخظر بباله فلم يفد دفع ما خافه شيئا، وحينئذ يدعي أن دخولهم من حيث أمرهم أبوهم كان مفيدا لهم من حيث أنه دفع العين عنهم إلا أنه لما أصابهم ما أصابهم من إضافة السرقة إليهم وافتضاحهم بذلك مع أخيهم بوجدان الصواع في رحله وتضاعف المصيبة على أبيهم لم يعد ذلك فائدة فكأن دخولهم لم يفدهم شيئا. واعترض أيضا ما ذكر في توجيه الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل بأن المشهور أن الغرض منه إفادة الاستمرار كما مرت الإشارة إليه غير مرة وظاهر ذلك لا يدل عليه، قيل: وإذا كان الغرض هنا ذاك احتمل الكلام وجهين نفى استمرار الاغناء واستمرار نفيه وفيه
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»