تكون إنشائية معطوفة على خبرية وأجيب بأنا لا نسلم أن الجملة الشرطية التي جوابها إنشائي إنشائية ولو سلم فلا نسلم العطف بل الجملة مستأنفة لنصحهم وإرشادهم إلى ما ينبغي أن يفعلوه حيث لم يكن معتادا لهم كما كان الزرع كذلك أو هي جواب شرط مقدر أي إن زرعتم (فما حصدتم) الخ وأيضا يحتمل الأمر عكس ما ذكروه بأن يكون ذروه بمعنى تذروه وأبرز في صورة الأمر لأنه بإرشاده فكأنهم أمرهم به والتحقيق ما في الكشف من أن الأظهر أن (تزرعون) على أصله لأنه تأويل المنام بدليل قوله الآتي: (ثم يأتي) وقوله: (فما حصدتم فذروه) اعتراض اهتماما منه عليه السلام بشأنهم قبل تتميم التأويل وفيه ما يؤكد أمر السابق واللاحق كأنه قد كان فهو يأمرهم بما فيه صلاحهم وهذا هو النظم المعجز انتهى وذكر بعضهم أن ما حصدتم الخ على تقدير كون (تزرعون) بمعنى ازرعوا داخل في العبارة فإن أكل السبع العجاف السبع السمان وغلبة السنبلات اليابسات الخضر دال على أنهم يأكلون في السنين المجدبة ما حصل في السنين المخصبة وطريق بقائه تعلموه من يوسف عليه السلام فبقي لهم في تلك المدة وقيل: (إن تزرعون) على هذا التقدير وكذا ما بعده خارج عن العبارة والكل كما ترى (إلا قليلا مما تأكلون 47 (أي اتركوا ذلك في السنبل إلا ما لا غنى عنه من القليل الذي تأكلونه في تلك السنين وفيه إرشاد إلى التقليل في الأكل وقرأ السلمي مما يأكلون بالياء على الغيبة أي يأكل الناس والإقتصار على استثناء المأكول دون البذر لكون ذلك معلوما من قوله عليه السلام: (تزرعون سبع سنين) ثم يأتي من بعد ذلك أي من بعد السنين السبع المذكورات وإنما لم يقل من بعدهن قصدا إلى تفخيم شأنهن (شبع شداد (أي سبع سنين صعاب على الناس وحذف التمييز لدلالة الأول عليه (يأكلن ما قدمتم لهن (أي ما ادخرتم في تلك السنين من الحبوب المتروكة في سنابلها لأجلهن وإسناد الأكل إليهن مع أنه حال الناس فيهن مجازي كما في قوله تعالى: (والنهار مبصرا) واللام في (لهن) ترشيح لذلك وكان الداعي إليه التطبيق بين المعبر والمعبر به ويجوز أن يكون التعبير بذلك للمشاكلة لما وقع في الواقعة وفسر بعضهم الأكل بالإفناء كما في قولهم:
أكل السير لحم الناقة أي أفناه وذهب به (إلا قليلا مما تحصنون 48 (أي تحرزونه وتخبئونه لبروز الزراعة مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ ثم يأتي من بعد ذلك أي السنين الموصوفة بما ذكر من الشدة وأكل المدخر من الحبوب (عام (هو كالسنة لكن كثيرا ما يستعمل فيما فيه الرخاء والخصب والسنة فيما فيه الشدة والجدب ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة وكأنه تحاشيا عن ذلك وتنبيها من أول الأمر على اختلاف الحال بينه وبين السوابق عبر به دون السنة فيه يغاث الناس أي يصيبهم غيث أي مطر كما قال ابن عباس ومجاهد والجمهور فهو من غاث الثلاثي اليائي ومنه قول الأعرابية: