تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٠٦
بالناس. وغير ذلك، والمراد من ذكر عملهم السيئات من قبل بيان أنهم اعتادوا المنكر فلم يستحيوا فلذلك أسرعوا لطلب الفاحشة من ضيوفه مظهرين غير مكترثين، فالجملة معترضة لتأكيد ما قبلها.
وقيل: إنها بيان لوجه ضيق صدره لما عرف من عادتهم، وجعلها شيخ الإسلام في موضع الحال كالتي قبلها أي جاؤوا مسرعين، والحال أنهم كانوا منهمكين في عمل السيئات.
* (قال يا قوم ه‍اؤلاء بناتي هن أطهر لكم) * فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن من قبل ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لعدم مشروعية تزويج المؤمنات من الكفار فإنه كان جائزا، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب لأبي العاص بن الربيع. وابنته رقية لعتبة بن أبي لهب قبل الوحي - وكانا كافرين - إلا أن عتبة لم يدخل بها وفارقها بطلب أبيه حين نزلت * (تبت يدا أبي لهب) * (المسد: 1) فتزوجها عثمان رضي الله تعالى عنه، وأبا العاص كان قد دخل بها لكن لما أسر يوم بدر وفادى نفسه أخذ النبي صلى الله عليه وسلم العهد عليه أن يردها إذا عاد فأرسل عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار في طلبها فجاءا بها ثم أنه أسلم وأتى المدينة فردها عليه الصلاة والسلام إليه بنكاح جديد أو بدونه على الخلاف.
وقال الحسن بن الفضل: إنه عليه السلام عرض بناته عليهم بشرط الإسلام، وإلى ذلك ذهب الزجاج، وهو مبني على أن تزويج المسلمات من الكفار لم يكن جائزا إذ ذاك، وقيل: كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه ولم يكن له عليه السلام سواهما، واسم إحداهما - على ما في بعض الآثار - زعوراء. والأخرى زيتاء، وقيل: كان له عليه السلام ثلاث بنات، وأخرجه الحاكم وصححه عن ابن عباس، ويؤيده ظاهر الجمع وإن جاء إطلاقه على اثنين، وأيا ما كان فقد أراد عليه السلام بذلك وقاية ضيفه وهو غاية الكرم فلا يقال: كيف يليق به عليه السلام أن يعرض بناته على أعدائه ليزوجهن إياهم؟! نعم استشكل عرض بناته - بناءا على أنهن اثنتان كما هو المشهور، أو ثلاث كما قيل - على أولئك المهرعين ليتزوجوهن مع القول بأنهم أكثر منهن إذ لا يسوغ القول بحل تزوج الجماعة بأقل منهم في زمان واحد، ومن هنا قال بعض أجلة المفسرين: إن ذلك القول لم يكن منه عليه السلام مجريا على الحقيقة من إرادة النكاح بل كان ذلك مبالغة في التواضع لهم وإظهارا لشدة امتعاضه مما أوردوا عليه طمعا في أن يستحيوا منه ويرقوا له إذا سمعوا ذلك فيتركوا ضيوفه مع ظهور الأمر واستقرار العلم عنده وعندهم أن لا مناكحة بينه وبينهم وهو الأنسب بجوابهم الآتي، وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس. وابن أبي حاتم عن ابن جبير. ومجاهد. وابن أبي الدنيا. وابن عساكر عن السدي أن المراد ببناته عليه السلام نساء أمته، والإشارة بهؤلاء لتنزيلهن منزلة الحاضر عنده وإضافتهن إليه لأن كل نبي أب لأمته، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه - النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم.
وقرأ أبي رضي الله تعالى عنه مثل ذلك لكنه قدم * (وأزواجه أمهاتهم) * (الأحزاب: 6) علي - وهو أب لهم - وأراد عليه السلام بقوله: * (هن أطهر لكم) * أنظف فعلا، أو أقل فحشا كقولك: الميتة أطيب من المغصوب وأحل منه، ويراد من الطهارة على الأول الطهارة الحسية وهي الطهارة عما في اللواطة من الأذى والخبث، وعلى الثاني الطهارة المعنوية وهو التنزه عن الفحش والإثم، وصيغة أفعل في ذلك مجاز، والظاهر - إن هؤلاء بناتي - مبتدأ وخبر، وكذلك * (هن أطهر لكم) * وجوز أبو البقاء كون * (بناتي) * بدلا أو عطف بيان * (وهن) * ضمير فصل، و * (أطهر) * هو الخبر، وكون * (هن) * مبتدأ ثانيا، و * (أطهر) * خبره، والجملة خبر * (هؤلاء) *.
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»