فلقائل أن يقول: سلمنا أنه عليه السلام لما رأى من الملائكة عليهم السلام ما رأى حصل له خوف على نفسه وعلى كافة أمته التي من جملتهم قوم لوط عليه السلام لكن لا نسلم أن هذا الخوف كان عن علم بأن أولئك الملائكة كانوا مرسلين لاهلاك الكل المندرج فيه قوم لوط بل عن تردد وتحير في أمرهم، وحينئذ لا ينحل السؤال بهذا الجواب كما لا يخفى على المتبصر، وكأنه لذلك أمر بالتأمل؛ وقد يقال: المفهوم من الكلام تحقق المجادلة بعد تحقق مجموع الأمرين ذهاب الروع ومجيء البشارة، وهو لا يستدعي إلا سبق العلم بأنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط على تحقق المجموع، ويكفي في ذلك سبقه على تحقق البشارة، وهذا العلم مستفاد من قولهم له: * (لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * وكأنه عليه السلام إنما لم يجادل بعد هذا العلم، وأخر المجادلة إلى مجيء البشارة ليرى ما ينتهى إليه كلام الملائكة عليهم السلام، أو لأنه لم يقع فاصل سكوت في البين ليجادل فيه إلا أن هذا لا يتم إلا أن يكون الإخبار بالإرسال إلى قوم لوط سابقا على البشارة بالولد، وفيه تردد.
وفي بعض الآيات ما هو ظاهر في سبق البشارة على الإخبار بذلك، نعم يمكن أن يلتزم سبق الأخبار على البشارة، ويقال: إنهم أخبروه أولا ثم بشروه ثانيا، ثم بعد أن تحقق مجموع الأمرين قال: * (فما خطبكم أيها المرسلون) * ويقال: الرماد منه السؤال عن حال العذاب هل هو واقع بهم لا محالة أم هو على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الإيمان؟ وتفسير المجادلة به كما مر عن بعض فتدبر ذاك والله سبحانه يتولى هداك.
* (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) * * (إن إبراهيم لحليم) * غير عجول على الانتقام إلى المسيء إليه * (أواه) * كثير التأوة من الذنوب والتأسف على الناس * (منيب) * راجع إلى الله تعالى، والمقصود من وصفه عليه السلام بهذه الصفات المنبئة عن الشفقة ورقة القلب بيان ما حمله على ما صدر عنه من المجادلة، وحمل الحلم على عدم العجلة والتأني في الشيء مطلقا، وجعل المقصود من الوصف بتلك الصفات بيان ما حمله على المجادلة وإيقاعها بعد أن تحقق ذهاب الروع ومجيء البشرى لا يخفي حاله.
* (يإبراهيم أعرض عن هاذآ إنه قد جآء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود) * * (يا إبراهيم) * على تقدير القول ليرتبط بما قبل أي قالت الملائكة، أو قلنا * (يا إبراهيم) *.
* (أعرض عن هاذا) * الجدال * (إنه) * أي الشأن * (قد جاء أمر ربك) * أي قدره تعالى المقضى بعذابهم، وقد يفسر بالعذاب، ويراد بالمجيء المشارفة فلا يتكرر مع قوله سبحانه:
* (وإنهم ءاتيهم عذاب غير مردود) * أي لا بجدال ولا بدعاء ولا بغيرهما إذ حاصل ذلك حينئذ شارفهم ثم وقع بهم، وقيل: لا حاجة إلى اعتبار المشارفة، والتكرار مدفوع بأن ذاك توطئة لذكر كونه غير مردود.
وقرأ عمرو بن هرم - وإنهم أتاهم - بلفظ الماضي، و * (عذاب) * فاعل به، وعبر بالماضي لتحقيق الوقوع.
* (ولما جآءت رسلنا لوطا سىء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هاذا يوم عصيب) * * (ولما جاءت رسلنا لوطا) * عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: انطلقوا من عند إبراهيم عليه السلام وبين القريتين أربعة فراسخ ودخلوا عليه في صورة غلمان مرد حسان الوجوه فلذلك * (سيء بهم) * أي أحدث له عليه السلام مجيئهم المساءة لظنه أنهم أناس فخاف أن يقصدهم قومه ويعجز عن مدافعتهم، وقيل: كان بين القريتين ثمانية أميال فأتوها عشاءا، وقيل نصف النهار ووجدوا لوطا في حرث له.
وقيل: وجدوا بنتا له تستقي ماءا من نهر سدوم وهي أكبر محل للقوم فسألوها الدلالة على من يضيفهم ورأت هيأتهم فخافت عليهم من قوم أبيها فقالت لهم: مكانكم وذهبت إلى أبيها فأخبرته فخرج إليهم فقالوا: