تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ٩٦
أي الله عز وجل * (عذبا أليما) * بالإهلاك بسبب فظيع لقحط. وظهر رعد، وخص بعضهم التعذيب بالآخرة وليس بشيء، وعممه آخرون واعتبروا فيه الإهلاك ليصح عطف قوله سبحانه: * (ويستبدل) * عليه أي ويستبدل بكم بعد إهلاككم * (قوما غيركم) * وصفهم بالمغايرة لهم لتأكيد الوعيد والتشديد في التهديد بالدلالة على المغايرة الوصفية والذاتية المستلزمة للاستئصال، أي قوما مطيعين مؤثرين للآخرة على الدنيا ليسوا من أولادكم ولا أرحامكم وهم أبناء فارس كما قال سعيد بن جبير أو أهل اليمن كما روي عن أبي روق أو ما يعم الفريقين كما اختاره بعض المحققين * (ولا تعضروه شيئا) * من الأشياء أو شيئا من الضرر، والضمير لله عز وجل أي لا يقدح تثاقلكم في نصرة دينه أصلا فإنه سبحانه الغني عن كل شيء وفي كل أمر، وقيل: الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل وعده العصمة والنصر وكان وعده سبحانه مفعولا لا محالة، والأول هو المروي عن الحسن وأختاره أبو علي الجبائي. وغيره، ويقرب الثاني رجوع الضمير الآتي إليه عليه الصلاة والسلام اتفاقا * (والله على كل شيء قدير) * فيقدر على إهلاكهم والإتيان بقوم آخرين، وقيل: على التبديل وتغيير الأسباب والنصرة بلا مدد فتكون الجملة تتميما لما قبل وتوطئة لما بعد.
* (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم) *.
* (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا) * من مكة، وإسناد الإخراج إليهم إسناد إلى السبب البعيد فإن الله تعالى أذن له عليه الصلاة والسلام بالخروج حين كان منهم ما كان فخرج صلى الله عليه وسلم بنفسه * (ثاني اثنين) * حال من ضميره عليه الصلاة والسلام. أي أحد اثنين من غير اعتبار كونه صلى الله عليه وسلم ثانيا، فإن معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع أربعة ونحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقا لا الثالث والرابع خاصة، ولذا منع الجمهور أن ينصب ما بعد بأن يقال ثالث ثلاثة ورابع أربعة، فلا حاجة إلى تكلف توجيه كونه عليه الصلاة والسلام ثانيهما كما فعله بعضهم. وقرىء * (ثاني) * بسكون الياء على لغة من يجري الناقص مجرى المقصور في الإعراب، وليس بضرورة خلافا لمن زعمه وقال: إنه من أحسن الضرورة في الشعر. واستشكلت الشرطية بأن الجواب فيها ماض ويتشرط فيه أن يكون مستقبلا حتى إذا كان ماضيا قلب مستقبلا وهنا لم ينقلب، وأجيب بأن الجواب محذوف أقيم سببه مقامه وهو مستقبل أي إن لم تنصروه فسينصره الله تعالى الذي قد نصره في وقت ضرورة أشد من هذه المرة وإلى هذا يشير كلام مجاهد، وجوز أن يكون المراد إن لم تنصروه فقد أوجب له النصرة حين نصره في مثل ذلك الوقت فلن يخذله في غيره، وفرق بين الوجهين بعد اشتراكهما في أن جواب الشرط محذوف بأن الدال عليه على الوجه الأول النصرة المقيدة بزمان الضعف والقلة في السالف وعلى الوجه الثاني معرفتهم بأنه صلى الله عليه وسلم من المنصورين، وقال القطب: الوجهان متقاربان إلا أن الأول مبني على القياس والثاني على الاستصحاب فإن النصرة ثابتة في تلك الحالة فتكون ثابتة في الاستقبال إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان، وقيل: إنه على الوجه الأول يقدر الجواب وعلى الثاني هو نصر مستمر فيصح ترتيبه على المستقبل لشموله له * (إذ هما في الغار) * بدل من * (إذ أخرجه) * بدل البعض إذ المراد به زمان متسع فلا يتوهم التغاير المانع من البدلية، وقيل: إنه ظرف * (لثاني اثنين) * والمراد بالغار ثقب في أعلى ثور وهو جبل في الجهة اليمنى لمكة على مسير ساعة، مكثا فيه كما روي عن ابن عباس رضي الله
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»