ودخلتم في ملته وفارقتم ملة آبائكم * (إنكم إذا لخاسرون) * أي مغبونون لاستبدالكم الضلالة بالهدى ولفوات ما يحصل لكم بالبخص والتطفيف فالخسران على الأول استعارة وعلى الثاني حقيقة وإلى تفسير الخاسرين بالمغبونين ذهب ابن عباس، وعن عطاء تفسيره بالجاهلين، وعن الضحاك تفسيره بالفجرة؛ وإذا حرف جواب وجزاء معترض كما قال غير واحد بين اسم إن وخبرها. وقيل: هي إذا الظرفية الاستقبالية وحذفت الجملة المضاف إليها وعوض عنها التنوين، ورده أبو حيان بأنه لم يقله أحد من النحاة، والجملة جواب للقسم الذي وطأته اللام بدليل عدم الاقتراب بالفاء وسادة مسد جواب الشرط وليست جوابا لهما معا كما يوهمه كلام بعضهم لأنه كما قيل مع مخالفته للقواعد النحوية يلزم فيه أن يكون جملة واحدة لها محل من الإعراب ولا محل لها وإن جاز باعتبارين.
* (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين) *.
* (فأخذتهم الرجفة) * أي الزلزلة كما قال الكلبي وفي سورة هود * (وأخذت الذين ظلموا الصيحة) * (هود: 94) أي صيحة جبريل عليه السلام، ولعلها كانت من مبادي الرجفة فأسند إهلاكهم إلى السبب القريب تارة وإلى البعيد أخرى، وقال بعضهم: إن القصة غير واحدة فإن شعيبا عليه السلام بعث إلى أمتين أهل مدين وأهل الأيكة فأهلكت أحدهما بالرجفة والأخرى بالصيحة، وفيه أنه إنما يتم لو لم يكن هلاك أهل مدين بالصيحة، والمروي عن قتادة أنهم الذين أهلكوا بها وأن أهل الأيكة أهلكوا بالظلة.
وجاء في بعض الآثار أن أهل مدين أهلكوا بالظلة والرجفة، فقد روى عن ابن عباس وغيره في هذه الآية إن الله تعالى فتح عليه بابا من جهنم فأرسل عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظل ولا ماء فكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أشد حرا من الظاهر فخرجوا إلى البرية فبعث الله تعالى سحابة فيها ريح طيبة فأظلتهم فوجدوا لها بردا فنادى بعضهم بعضا حتى اجتمعوا تحتها رجالهم ونساؤهم وصبياهم فألهبها عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي وصاروا رمادا. ويشكل على هلاكهم جميعا نساء ورجالا ما نقل عن عبد الله البجلي قال: كان أبو جاد وهو زو حطى وكلمن وسعفص وقرشت ملوك مدين وكان ملكهم في زمن شعيب عليه السلام كلمن فلما هلك يوم الظلة رثته ابنته بقولها: كلمن قد هد ركني * هكله وسط المحله سيد القوم أتاه الح * - تف نار تحت ظله جعلت نار عليهم * دارهم كالمضمحله اللهم إلا أن يقال: إنها كانت مؤمنة فنجت، وقد يقال: إن هذا الخبر مما ليس له سند يعول عليه.
* (فأصبحوا في دارهم جاثمين) * تقدم نظيره.
* (الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين) *.
* (الذين كذبوا شعيبا) * استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم: * (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا) * والموصول مبتدأ خبره قوله تعالى: * (كأن لم يغنوا فيها) * أي لم يقيموا في دارهم، وقال قتادة: المعنى كأن لم يعيشوا فيها مستغنين، وذكر غير واحد أنه يقال: غنى بالمكان يغني غني وغنيانا إذا أقام به دهرا طويلا، وقيده بعضهم بالإقامة في عيش رغد، وقال ابن الأنباري كغيره: إنه من الغنى ضد الفقر كما في قول حاتم: غنينا زماما بالتصعلك والغنى * فكلا سقاناه بكأسهما الدهر فما زادنا بغيا على ذي قرابة * غنانا ولا أزري بأحسابنا الفقر