تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٥
الإرادة وأن الحوادث كلها بمشيئة الله تعالى لما لا يخفى، ولا يحتاج إلى القول بأن ذلك منه عليه السلام رد لدعوى الحصر باحتمال قسم ثالث، والزمخشري بني تفسيره على عقيدته الفاسدة من وجوب رعاية الصلاح والأصلح وأن الله تعالى لا يمكن أن يشار الكفر بوجه لخروجه عن الحكمة، واستدل بقوله سبحانه: * (وسع) * الخ، ورده ابن المنير بأن موقع ماذكر الاعتراف بالقصور عن علم العاقبة والاطلاع على الأمور الغائبة. ونظير ذلك قوله إبراهيم عليه السلام: * (ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما) * (الأنعام: 8) فإنه عليه السلام لما رد الأمر إلى المشيئة وهي مغيبة مجد الله تعالى بالانفراد بعلم الغائبات انتهى، وإلى كون المراد من الاستثناء التأبيد ذهب جعفر بن الحرث والزجاج أيضا وجعلوا ذلك كقول الشاعر: إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب وأنت خبير بأن ذلك مخالف للنصوص النقلية والعقلية وللعبارة والإشارة، وقال الجبائي. والقاضي: المراد بالملة الشريعة وفيها ما لا يرجع إلى الاعتقاد، ويجوز أن يتعبد الله تعالى عباده به ومفعول المشيئة العود إلى ذلك أي ليس لنا أن نعود إلى ملتكم إلا أن يشاء الله تعالى عودنا بأن يتعبدنا بها وينقلنا إليها وينسخ ما نحن فيه من الشريعة، وقيل: المراد إلا أن يشاء الله تعالى أن يمكنكم من إكراهنا ويخلي بينكم وبينه فنعود إلى أظهار ملتكم مكرهين، وقوى بسبق * (أو لو كنا كارهين) *.
وقيل: إن الهاء في قوله سبحانه * (فيها) * يعود إلى القرية لا الملة فيكون المعنى أنا سنخرج من قريتكم ولا نعود فيها إلا أن يشاء الله بما ينجزه لنا من الوعد في الإظهار عليكم والظفر بكم فنعود فيها؛ وقيل: إن التقدير إلا أن يشاء الله أن يردكم إلى الحق فنكون جميعا على ملة واحدة، ولا يخفى أن كل ذلك مما يضحك الثكلى، وبالجملة الآية ظاهرة فيما ذهب إليه أهل السنة وسبحانه من سد باب الرشد عن المعتزلة.
* (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) * إعراض عن مفاوضتهم أثر ما ظهر من عتوهم وعنادهم وإقبال على الله تعالى بالدعاء والفتح بمعنى الحكم والقضاء لغة لحمير أو لمراد. والفتاح عندهم القاضي والفتاحة بالضم الحكومة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال: الفتح القضاء لغة يمانية. وأخرج البيهقي وجماعة عن ابن عباس قال: ما كنت أدري ما قوله * (ربنا افتح) * حتى سمعت ابنة ذي يزن وقد جرى بيني وبينها كلام فقالت أفاتحك تريد أقاضيك و * (بيننا) * منصوب على الظرفية والتقييد بالحق لإظهار النصفة، وجوز أن يكون مجازا عن البيان والإظهار وإليه ذهب الزجاج، ومنه فتح المشكل لبيانه وحله تشبيها له بفتح الباب وإزالة الإغلاق حتى يوصل إلى ما خلفها وبيننا على ما قيل مفعولب به بتقدير ما بيننا * (وأنت خير الف‍اتحين) * أي الحاكمين لخلو حكمك عن الجور والحيف أو المظهرين لمزيد علمك وسعة قدرتك والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله.
وقال الملا الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخ‍اسرون) *.
* (وقال الملأ الذين كفروا من قومه) * عطف على * (قال الملأ) * الخ والمراد من هؤلاء الملأ يحتمل أن يكون أولئك المستكبرين وتغيير الصلة لما أن مناط قولهم السابق هو الاستكبار ويكون هذا حكاية لإضلالهم بعد حكاية ضلالهم على ما قيل، ويحتمل أن يكون غيرهم ودونهم في الرتبة شأنهم الوساطة بينهم وبين العامة والقيامة بأمورهم حسبما يراه المستكبرون، أي قالوا لأهل ملتهم تنفيرا لهم وتثبيطا عن الايمان بعد أن شاهدوا صلابة شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين فيه وخافوا أن يفارقوهم * (لئن اتبعتم شعيبا) *
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»