تعالى: * (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) * (البقرة: 16) وهذا من المجاز المعبر فيه عن السبب بالمسبب. وفائدة اختياره في هذه المواضع تحقيق التمكن والاختيار لإقامة حجة الله تعالى على عباده.
وقيل: إن هذا القول كان جاريا على ظنهم أنه عليه السلام كان في ملتهم لسكوته قبل البعثة عن الانكار عليهم أو أنه صدر عن رؤسائهم تلبيسا على الناس وإيهاما لأنه كان على دينهم، وما صدر عنه عليه السلام في أثناء المحاورة وقع على طريق المشاكلة، وذكر الشهاب احتمالا آخر في الجواب وهو أن الظاهر أن العود هو المقابل للخروج إلى ما خرج منه وهو القرية، والجار والمجرور في موضع الحال أي ليكن منكم الخروج من قريتنا أو العود إليها كائنين في ملتنا فينحل الإشكال من غير حاجة إلى ما تقدم، ولا يخفى بعده. وإنما لم يقولوا أو لنعيدنكم على طريقة ما قبله لما أن مرادهم أن يعودوا بصورة الطواعية حذر الإخراج عن الوطن باختيار أهون الشرين لا إعادتهم بسائر وجوه الإكراه والتعذيب، ومن الناس من زعم أن تعودن لا يصلح أن يكون جوابا للقسم لأنه ليس فعل المقسم، وجعل ما أشرنا إليه أولى في بيان المعنى مخلصا من ذلك وهو باطل لأنه يقتضي أن القسم لا يكون على فعل الغير ولم يقل أحد به، وقد شاع نحو والله ليضربن زيد من غير نكير وعدي العود بفي إيماء إلى أن الملة لهم بمنزلة الوعاء المحيط بهم * (قال) * استئناف كنظائر أي قال شعيب عليه السلام ردا لمقالتهم الباطلة وتكذيبا لهم في أيمانهم الفاجرة: * (أو لو كنا كارهين) * على أن الهمزة لإنكار الوقوع ونفيه، والواو للعطف على محذوف، وقد يقال: لها في مثل هذا الموضع واو الحال أيضا و * (لو) * هي التي يؤتى بها لبيان ما يفيده الكلام السابق بالذات أو بالواسطة من الحكم الموجب أو المنفي على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بادخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع ما عداه من الأحوال بطريق الألوية، والكلام ههنا في تقدير أنعود فيها لو لم نكن كارهين ولو كنا كارهين غير مبالين بالإكراه، فالجملة في موضع الحال من ضمير الفعل المقدر والمآل أنعود فيها حال عدم الكراهة وحال الكراهة إنكارا لما تفيده كلمتهم الشنيعة بإطلاقها من العود على أي حالة غير أنه اكتفى بذكر الحالة التي هي أشد الأحوال منافاة للعود وأكثرها بعدا منه تنبيها على أنها هي الواقعة في نفس الأمر وثقة بإغنائها عن ذكر الأولى إغناءا واضحا لأن العود الذي تعلق به الإنكار حين تحقق مع الكراهة على ما يوجبه كلامهم فلأن يتحقق مع عدمها أولى، وهذا بعض مما ذكره شيخ الإسلام في هذا المقام، وقد أطنب فيه الكلام وأتى بالنقض والإبرام فأرجع إليه، وقد جوز أن يكون الاستفهام باقيا على حاله، وجعل بعضهم الهمزة بمعنى كيف، ووجه التعجيب إلى العود أي كيف نعود فيها ونحن كارهون لها وتقدير فعل العودة لقوة دلالة الكلام عليه أولى من تقدير فعل الإعادة كما فعل الزمخشري، وفي " التيسير " تقدير فعل الإخراج أي تخرجوننا من غير ذنب ونحن كارهون لمفارقة الأوطان، وقد وجه بأن العود مفروغ عنه لا يتصور من عاقل فلا يكون إلا الإخراج، ولا يخفى ضعف هذا التقدير.
وذكر أبو البقاء أن * (لو) * هنا بمعنى أن لأنها للمستقبل، وجوز أن تكون على أصلها وما أشار إليه شيخ الإسلام في هذا المقام أبعد مغزى فليتأمل.
* (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا فى ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنآ أن نعود فيهآ إلا أن يشآء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) *.
* (قد افترينا على الله كذبا) * عظيما لا يقادر قدره.