تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٧
هذا الشأن بأكثرهم ليس لأن بعضهم كانوا يوفون بالعهد بل لأن بعضهم كانوا لا يعهدون ولا يوفون، وقيل: المراد بالعهد ما وقع يوم أخد الميثاق، وروي ذلك عن أبي بن كعب. وأبي العالية، وقيل: المراد به ما عهد الله تعالى إليهم من الإيمان والتقوى بنصب الدلائل والحجج وإنزال الآيات، وفسره ابن مسعود بالإيمان كما في قوله تعالى: * (اتخذ عند الرحمن عهدا) * (مريم: 78)، وقيل: هو بمعنى البقاء أي ما وجدنا لهم بقاء على فطرتهم، والمراد بالأكثر في الكل الكل، وذهب كثير من الناس إلى أن ضمير أكثرهم للناس وهو معلوم لشهرته، والجملة إلى فاسقين اعتراض لأنه لا اختصاص له بما قبله لكن لعمومه يؤكده. وعلى الأول تتميم على ما نص عليه الطيبي وغيره * (وإن وجدنا أكثرهم) * (الأعراف: 102) أي أكثر الأمم أو أكثر الناس أي علمناهم كقولك: وجدت زيدا فاضلا وبين وجد هذه ووجد السابق على المعنى الأول فيه الجناس التام المماثل و * (إن) * مخففة من الثقيلة وضمير الشأن محذوف ولا عمل لها فيه لأنها ملغاة على المشهور، وتعين تفسير وجد بعلم الناصبة للمبتدأ والخبر لدخولها عليهما، فقد صرح الجمهور أنها لا تدخل إلا على المبتدأ أو على الأفعال الناسخة وخالف في ذلك الأخفش فلا يرى ذلك.
وجوز دخولها على غيرهما، وذهب الكوفيون إلى أن إن نافية، واللام في قوله سبحانه: * (لف‍اسقين) * اللام الفارقة وعند الكوفيين أن إن نافية واللام بمعنى إلا أي ما وجدنا أكثرهم الا خارجين عن الطاعة ويدخل في ذلك نقض العهد، وذكر الطيبي أنه إذا فسر الفاسقون بالناكثين يكون في الآية الطرد والعكس، وهو أن يؤتي بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس، وهو كقوله تعالى: * (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) * إلى قوله سبحانه: * (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) * (النور: 58) فمنطوق الأمر بالاستئذان في الأوقات الثلاثة خاصة مقرر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس، وكذا قوله تعالى: * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * (التحريم: 6) وهذا النوع من الأطناب يقابله في الإيجاز نوع الاحتباك.
* (ثم بعثنا من بعدهم موسى بااي‍اتنآ إلى فرعون وملإيه فظلموا بها فانظر كيف كان ع‍اقبة المفسدين) *.
* (ثم بعثنا من بعدهم موسى) * أي أرسلناه عليه السلام بعد الرسل أو بعد الأمم والأول متقدم في قوله سبحانه: * (ولقد جاءتهم رسلهم) * (الأعراف: 101) والثاني مدلول عليه وتلك القرى) * (الكهف: 59) والاحتمال الأول أولى، والتصريح بالبعدية مع ثم الدالة عليها قيل للتنصيص على أنها للتراخي الزماني فإنها كثيرا ما تسعمل في غيره، وقيل: للإيذان بأن بعثه عليه السلام جرى على سنن السنة الإلهية من ارسال الرسل تترى، و * (من) * لابتداء الغاية، وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، وقوله سبحانه: * (بئاي‍اتنا) * متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعول بعثنا أو صفة لمصدره أي بعثناه عليه السلام ملتبسا بها أو بعثناه بعثا ملتبسا بها وأريد بها الآيات التسع المفصلة * (إلى فرعون) * هو علم شخص ثم صار لقبا لكل من ملك مصر من العمالقة، كما أن كسرى لقب من ملك فارس، وقيصر لقب من ملك الروم، والنجاشي لقب من ملك الحبشة، وتبع لقب من ملك اليمن، وقيل: إنه من أول الأمر لقب لمن ذكر، واسمه الوليد بن مصعب بن الريان، وقيل: قابوس وكنيته أبو العباس، وقيل: أبو مرة، وقيل: أبو الوليد، وعن جماعة أن قابوسا والوليد اسمان لشخصين أحدهما فرعون موسى والآخر فرعون يوسف عليهما السلام، وعن النقاش. وتاج القراء أن فرعون موسى هو والد الخضر عليه السلام، وقيل: ابنه وذلك من الغرابة بمكان، ويلقب به كل عات ويقال فيه فرعون كزنبور، وحكى ابن خالويه عن
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»