تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٠
هي وطن آبائهم، وكان عدو الله تعالى والقبط قد استبعدوهم بعد إنقراض الأسباط يستعملونهم ويكلفونهم الأفاعيل الشاقة كالبناء وحمل الماء فانقدهم الله تعالى بموسى عليه السلام، وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف عليه السلام مصر واليوم الذي دخل فيه موسى عليه السلام على ما روى عن وهب أربعمائة سنة، واستعمال الإرسال بما أشير إليه على ما يظهر من كلام الراغب حقيقة، وقيل: إنه استعارة من إرسال الطير من القفص تمثيلية أو تبعية، ولا يخفى أنه ساقط عن وكر القبول، والفاء لترتيب الإرسال أو الأمر به على ما قبله من رسالته عليه السلام ومجيئه بالبينة.
* (قال إن كنت جئت بااية فأت بهآ إن كنت من الص‍ادقين) *.
* (قال) * استئناف بياني كأنه قيل: فما قال فرعون؟ فقيل: قال:
* (إن كنت جئت بآية) * من عند من أرسلك كما تدعيه * (فات بها) * أي فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك في دعواك، فالمغايرة بين الشرط والجزاء مما لا غبار عليه، ولعل الأمر غني عن التزام ذلك لحصوله بما لا أظنه يخفي عليك * (إن كنت من الص‍ادقين) * في دعواك فإن كونك من جملة لمعروفين بالصدق يقتضي إظهار الآية لا محالة.
* (فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين) *.
* (فألقى عصاه) * وكانت كما روى ابن المنذر. وابن أبي حاتم من عوسج. وروى عن علي كرم الله تعالى وجهه أنها كانت من لوز.
وأخرج عبد بن حميد. وأبو الشيخ عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أنها عصا آدم عليه السلام أعطاها لموسى ملك حين توجه إلى مدين فكانت تضيء له بالليل ويضرب بها الأرض بالنهار فيخرج له رزقه ويهش بها على غنمه، والمشهور أنها كانت من آس الجنة وكانت لآدم عليه السلام ثم وصلت إلى شعيب فأعطاه إياها، وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن اسمها مأشا * (فإذا هي ثعبان) * أي حية ضخمة طويلة. وعن الفراء أن الثعبان هو الذكر العظيم من الحيات. وقال آخرون: إنه الحية مطلقا.
وفي " مجمع البيان " أنه مشتق من ثعب الماء إذا انفجر، فكأنه سمي بذلك لأنه يجري كعنق الماء إذا انفجر * (مبين) * أي ظاهر أمره لا يشك في كونه ثعبانا؛ فهو إشارة إلى أن الصيرورة حقيقية لا تخييلية، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على كمال سرعة الانقلاب وثبات وصف الثعبانية فيها كأنها في الأصل كذلك، وروى عن ابن عباس. والسدي أنه عليه السلام لما ألقاها صارت حية صفراء شعراء فاغرة فاها بين لحييا ثمانون ذراعا وارتفعت من الأرض بقدر ميل وقامت على ذنبها واضعة لحيها الأسفل في الأرض ولحيها الأعلى على سور القصر وتوجهت نحو فرعون لتأخذه فوثب عن سريره هاربا وأحدث، وفي بعض الروايات أنه أحدث في ذلك اليوم أربعمائة مرة، وفي أخرى أنه استمر معه داء البطن حتى غرق، وقيل: إنها أخذت قبة فرعون بين أنيابها وأنها حملت على الناس فانهزموا مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا، فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك أن تأخذها وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذها فعادت عصا كما كانت، وعن معمر أنها كانت في العظم كالمدينة، وقيل: كان طولها ثمانين ذراعا، وعن وهب بن منبه أن بين لحييها اثني عشر ذراعا، وعلى جميع الروايات لا تعارض بين ماهنا وقوله سبحانه: * (كأنها جان) * (النمل: 10) بناء على أن الجان هي الحية الصغيرة لما قالوا: إن القصة غير واحدة، أو أن المقصود من ذلك تشبيها في خفة الحركة بالجان لا بيان جثتها، أو لما قيل: إنها انقلبت جانا وصارت ثعبانا فحكيت الحالتان في آيتين، وسيأتي إن شاء الله تعالى
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»