تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٨٢
والعبد يسأل عن مال سيده، ولعل الظاهر أن سؤال كل من المرسل إليهم والمرسلين هنا عن أمر يتعلق بصاحبه، ولا يأبى هذا أن المكلفين يسألون عن أمور أخر والمواقف يوم القيامة شتى ويسأل السيد ذو الجلال عباده فيها عن مقاصد عديدة فطوبى لمن أحذ بعضده السعد فأجاب بما ينجيه.
* (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غآئبين) *.
* (فلنقصن عليهم) * قيل أي على الرسل حين يكلون الأمر إلى علمه تعالى ويقولون: * (لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب) * (المائدة: 109) أو عليهم وعلى المرسل إليهم جميعا جميع أحوالهم. وعن ابن عباس أنه ينطق عليهم كتاب أعمالهم * (بعلم) * أي عالمين بظواهرهم وبواطنهم أو بمعلومنا منهم، والباء على الأول للملابسة؛ والجار والمجرور حال من فاعل (نقص)، وعلى الثاني الباء متعلق بنقص * (وما كنا غائبين) * عنهم في حال من الأحوال، والمراد الإحاطة التامة بأحوالهم وأفعالهم بحيث لا يشذ منها شيء عن علمه سبحانه، والجملة إما حال أو استئناف لتأكيد ما قبله.
* (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأول‍ائك هم المفلحون) *.
و الوزن) * أي وزن الأعمال والتمييز بين الراجح منها والخفيف والجيد والرديء، وهو مبتدأ وقوله تعالى: * (يومئذ) * متعلق بمحذوف خبره، وقوله تعالى: * (الحق) * صفته أي والوزن الحق ثابت يوم إذ يكون السؤال والقص. واختار هذا بعض من المعربين، وقيل: الظاهر أن * (الحق) * خبر و * (يومئذ) * ظرف للوزن لئلا يقع الفصل بين الصفة والموصوف. ولعل وجه عدم اختيار هذا أن فيه أعمال المصدر المعرف وهو قليل. وفي " الكشف " ليس المعنى على أن الوزن هو الحق بل أن الوزن الحق يكون يومئذ ألا يرى إلى قوله سبحانه: * (ونضع الموازين القسط ليوم القيام) *. (الأنبياء: 47) وذكر الأصفهاني في شرح اللمع لابن جني أن (الحق) بدل من الضمير المستتر في الظرف، وهو وجه حسن إلا أن الأول رجح جانب المعنى ولم يبال بالفصل بالخبر لاتحاده من وجه بالمبتدأ لا سيما والظرف يتوسع فيه. وجوز أبو البقاء أن يكون (الحق) خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل: ما ذلك الوزن؟ فقيل: هو الحق أي العدل السوي. وأن يكون (الوزن) خبر مبتدأ محذوف أيضا أي هذا الوزن وهو كما ترى. وقرىء * (القسط) * " والوزن - كما قال الراغب - معرفة قدر الشيء يقال: وزنته وزنا وزنة، والمتعارف فيه عند العامة ما يقدر (بالقسطاس) والقبان ". واختلف في كيفيته يوم القيامة. والجمهور - كما قال القاضي - على أن صحائف الأعمال هي التي توزن بميزان له لسان وكفتان لينظر إليه الخلائق إظهارا للمعادلة وقطعا للمعذرة كما يسألون عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم. ولا تعرض لهم لماهية هاتيك الصحائف والله تعالى أعلم بحقيقتها. ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول سبحانه: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون فيقول: لا يا رب فيقول سبحانه أفلك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول لا يا رب فيقول جل شأنه: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»