تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٨٠
الجملة مستأنفة لئلا تلغو الإعادة فإذا لم يقصد الاستئناف فلا بد من الواو وما عداه تلزمه الواو في الفصيح إلا على طريق التشبيه بالمفرد والتأويل فإنه حينئذ قد تترك الواو جوازا، وقيل - ولم يسلم -: إن الضابط في ذلك أنه إذا كان المبتدأ ضمير ذي الحال تجب الواو وإلا فإن كان الضمير فيما صدر به الجملة سواء كان مبتدأ نحو فوه إلى في و * (بعضكم لبعض عدو) * (البقرة: 36) أو خبرا نحو وجدته حاضراه الجود والكرم فلا يحكم بضعفه لكونه الرابط في أول الجملة وإلا فضعيف قليل.
وقال ابن مالك وتبعه ابن هشام ونقل عن السكاكي: إنه إذا كانت الجملة الاسمية مؤكدة لزم الضمير وترك الواو نحو هو الحق لا شبهة فيه و * (ذلك الكتاب لا ريب فيه ) * (البقرة: 2)، واختار ابن المنير " أن المصحح لوقوع هذه الجملة هنا حالا من غير واو هو العاطف إذ يقتضي مشاركة الجملة الثانية لما عطفت عليه في الحالية فيستغني عن واو الحال كما أنك تعطف على المقسم به فتدخله في حكم القسم من غير واو نحو (موقعة) (1) * (والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى) * (الليل: 1، 2) وقوله سبحانه: * (فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس) * (التكوير: 15 - 17) ويستغنى عن تكرار حرف القسم بنيابة العاطف منابه " فليفهم. وأيا ما كان فحاصل المعنى أتاهم عذابنا تارة ليلا كقوم لوط عليه السلام وتارة وقت القيلولة كقوم شعيب عليه السلام.
والقيلولة من قال يقيل فهو قائل ويقال قيلا وقائلة (وميقالا) ومقيلا، وهي - كما في " القاموس " - نصف النهار، أو هي (الراحة والدعة) نصف النهار وإن لم يكن معها نوم كما في " النهاية "، واستدل له بقوله تعالى: * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) * إذ الجنة لا نوم فيها. وقال الليث: هي نومة نصف النهار، ودفع الاستدلال بأن ذلك مجاز، وإنما خص إنزال العذاب عليهم في هذين الوقتين لما أن نزول المكروه عند الغفلة والدعة أفظع وحكايته للسامعين أزجر وأردع عن الاغترار بأسباب الأمن والراحة، وفي التعبير في الحال الأولى بالمصدر وجعلها عين البيات وفي الحال الثانية بالجملة الاسمية المفيدة في المشهور للثبوت مع تقديم المسند إليه المفيد للتقوى ما لا يخفى من المبالغة، وكذا في وصف الكل بوصف البيات والقيلولة مع أن بعض المهلكين بمعزل منهما - إيذان بكمال الأمن والغفلة، وفي هذا ذم لهم بالغفلة عما هم بصدده، وإنما خولف بين العبارتين على ما قيل وبنيت الحال الثانية على تقوى الحكم والدلالة على قوة أمرهم فيما أسند إليهم لأن القيلولة أظهر في إرادة الدعة وخفض العيش فإنها من دأب المترفين والمتنعمين دون من اعتاد الكدح والتعب. وفيه إشارة إلى أنهم أرباب أشر وبطر.
* (فما كان دعواهم إذ جآءهم بأسنآ إلا أن قالوا إنا كنا ظ‍المين) *.
* (فما كان دعواهم) * أي دعاؤهم واستغاثتهم كما في قوله تعالى: * (وآخر دعواهم) * (يونس: 10) وقول بعض العرب فيما حكاه الخليل وسيبويه: اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين أو ادعاءهم كما هو المشهور في معنى الدعوى * (إذ جاءهم بأسنا) * عذابنا وشاهدوا أماراته * (إلا أن قالوا) * جميعا * (إنا كنا ظالمين) * أي إلا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وشهادتهم ببطلانه تحسرا (عليه) وندامة وطمعا في الخلاص وهيهات ولات حين نجاة. وفي جعل هذا الاعتراف عين ذلك مبالغة على حد قوله: تحية بينهم ضرب وجيع و * (دعواهم) * يجوز فيه - كما قال أبو البقاء - أن يكون اسم كان والخبر * (إلا أن قالوا) * أن يكون هو الخبر و * (إلا أن قالوا) * الاسم، ورجح الثاني بأن جعل الأعراف اسما هو المعروف في كلامهم. والمصدر هنا يشبه المضمر لأنه لا يوصف وهو أعرف من المضاف. وأورد عليه أن الاسم والخبر إذا كانا معرفتين وإعرابهما غير
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»