تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٢٩
ومن باب الإشارة في الآيات: * (ويا آدم اسكن أنت وزوجك) * أي النفس وسميت حواء لملازمتها الجسم الظلماني إذ الحوة اللون الذي يغلب عليه السواد. وبعضهم يجعل آدم إشارة إلى القلب لأنه من الأدمة وهي السمرة وهو لتعلقه بالجسم دون النفس سمي بذلك. ولشرف آدم عليه السلام وجه النداء إله وزوجه تبع له في السكنى * (الجنة) * هي عندهم إشارة إلى سماء عالم الأرواح التي هي روضة القدس * (فكلا من حيث شئتما) * لا حجر عليكما في تلقي المعاني والمعارف والحكم التي هي الأقوات القلبية والفواكه الروحانية * (ولا تقربا هذه الشجرة) * أي شجرة الطبيعة والهوى التي بحضرتكما * (فتكونا من الظالمين) * (الأعراف: 19) الواضعين النور في محل الظلمة أو الناقصين من نور استعدادكما. وأول بعضهم الشجرة بشجرة المحبة المورقة بأنواع المحنة أي لا تقرباها فتظلما أنفسكما لما فيها من احتراق أنانية المحب وفناء هويته في هوية المحبوب ثم قال: إن هذه الشجرة غرسها الرحمن بيده لآدم عليه السلام كما خمر طينته بيده لها فلم تك تصلح إلا له * ولم يك يصلح إلا لها وأن المنع كان تحريضا على تناولها فالمرء حريص على ما منع، واختار هذا النيسابوري وتكلف في باقي الآية ما تكلف فإن أردته فارجع إليه * (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما) * أي ليظهر لهما بالميل إلى شجرة الطبيعة ما حجب عنهما عند التجرد من الأمور الرذيلة التي هي عورات عند العقل * (وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) * (الأعراف: 20) أوهمهما أن في الاتصاف بالطبيعة الجسمانية لذاتا ملكية وخلودا فيها أو ملكا ورياسة على القوى بغير زوال إن قرىء * (ملكين) * بكسر اللام. * (فدلاهما) * فنزلهما من غرف القدس إلى التعلق بها والركون إليها * (بغرور) * بما غرهما من كأس القسم المترعة من حميا ذكر الحبيب * (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما) * والقليل منها بالنسبة إليهما كثير * (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) * أي يكتمان هاتيك السوآت والفواحش الطبيعية بالآداب الحسنة والعادات الجميلة التي هي من تفاريع الآراء العقلية ومستنبطات القوة العاقلة العلمية ويخفيانها بالحيل العملية * (وناداهما ربهما ألم أنهكما) * بما أودعت في عقولكما من الميل إلى التجرد وإدراك المعقولات * (عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) * (الأعراف: 22) وذلك القول بما ألهم العقل من منافاة أحكام الوهم ومضادة مدركاته والوقوف على مخالفاته ومكابراته إياه * (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) * بالميل إلى جهة الطبيعة وانطفاء نورها وانكسار قوتها * (وإن لم تغفر لنا) * بإلباسنا الأنوار الروحانية وإفاضتها علينا * (وترحمنا) * بإفاضة المعارف الحقيقية * (لنكونن من الخاسرين) * (الأعراف: 23) الذين أتلفوا الاستعداد الذي هو مادة السعادة وحرموا عن الكمال التجردي بملازمة النقص الطبيعي * (قال اهبطوا) * إلى الجهة السفلى التي هي العالم الجسماني * (بعضكم لبعض عدو) * (اوعراف: 24) لأن مطالب الجهة السفلية جزئية لا تحتمل الشركة فكلما حظي بها أحد حرم منها غيره فيقع بينهما العداوة والبغضاء بخلاف المطالب الكلية. وجمع الخطاب لأنه في قوة خطاب النوع * (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا) * وهو لباس الشريعة * (يواري سوآتكم) * يستر قبائح أوصافكم وفواحش أفعالكم بشعاره ودثاره * (وريشا) * زينة وجمالا في الظاهر والباطن تمتازون به عن سائر الحيوانات * (ولباس التقوى) * أي صفة الورع والحذر من صفات النفس * (ذلك خير) * من سائر أركان الشرائع والحمية رأس الدواء. ويقال: لباس التقوى هو لباس القلب والروح والسر والخفي ولباس الأول:
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»