تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٣٢
إن سلامهم على أهل الجنة بإمدادهم بأسباب التزكية والتخلية والأنوار القلبية وإفاضة الخيرات والبركات عليهم * (لم يدخلوها) * أي لم يدخل أولئك الرجال الجنة لعدم احتياجهم إليها * (وهم يطمعون) * (الأعراف: 46) في كل وقت بما هو أعلى وأغلى، وقيل: هم أي أهل الجنة يطمعون في دخول أولئك الرجال ليقتبسوا من نورهم ويستضيئوا بأشعة وجوههم ويستأنسوا بحضورهم * (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) * ليعتبروا * (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) * (الأعراف: 47) بأن تحفظ قلوبنا من الزيغ * (ونادى أصحاب الأعراف رجالا) * (الأعراف: 48) من رؤساء أهل النار، وإطلاق الرجال عليهم وعلى أصحاب الأعراف كإطلاق المسيح على الدجال اللعين وعلى عيسى عليه السلام. * (أهؤلاء) * (الأعراف: 49) إشارة إلى أهل الجنة * (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء) * أي الحياة التي أنتم فيها * (أو مما رزقكم الله) * أي النعيم الذي من الله تعالى به عليكم أو أفيضوا علينا من العلم أو العمل لننال به ما نلتم * (قالوا إن الله حرمهما) * في الأزل * (على الكافرين) * (الأعراف: 50) لسوء استعدادهم، وقيل: إن الكفار لما كانوا عبيد البطون حراصا على الطعام والشراب فماتوا على ما عاشوا وحشروا وأدخلوا النار على ما ماتوا طلبوا الماء أو الطعام * (ولقد جئناهم بكتاب) * وهو النبي صلى الله عليه وسلم الجامع لكل شيء والمظهر الأعظم لنا * (فصلناه) * أي أظهرنا منه ما أظهرنا * (على هدى ورحمة لقوم يؤمنون) * (الأعراف: 52) لأنهم المنتفعون منه وإن كان من جهة أخرى رحمة للعالمين * (هل ينظرون إلا تأويله) * (الأعراف: 53) أي ما يؤول إليه عاقبة أمره، وقيل: الكتاب الذي فصل على علم إشارة إلى البدن الإنساني المفصل إلى أعضاء وجوارح وآلات وحواس تصلح للاستكمال على ما يقتضيه العلم الإلهي وتأويله ما يؤول إليه أمره في العاقبة من الانقلاب إلا ما لا يصلح لذلك عند البعث من هيئات وصور وأشكال تناسب صفاتهم وعقائدهم على مقتضى قوله سبحانه: * (سيجزيهم وصفهم) * (الأنعام: 139) وكما قال سبحانه: * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) * (الإسراء: 97) انتهى. ويحتمل أن يكون الكتاب المذكور إشارة إلى الآفاق والأنفس وما يؤول إليه كل ظاهر والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
* (إن ربكم الله الذى خلق السم‍اوات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب الع‍المين) *.
* (إن ربكم الله الذي خلق السم‍اوات والأرض في ستة أيام) * شروع في بيان مبدأ الفطرة إثر بيان معاد الكفرة، ويحتمل أنه سبحانه لما ذكر حال الكفار وأشار إلى عبادتهم غيره سبحانه احتج عليهم بمقدوراته ومصنوعاته جل شأنه ودلهم بذلك على أنه لا معبود سواه فقال مخاطبا بالخطاب العام * (إن ربكم) * أي خالقكم ومالككم * (الذي خلق السموات) * السبع * (والأرض) * بما فيها كما يدل عليه ما في سورة السجدة (4) على ما يأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في ستة أوقات كقوله تعالى: * (ومن يولهم يومئذ دبره) * (الأنفال: 16) أو في مقدار ستة أيام كقوله سبحانه: * (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) * (مريم: 62). فإن المتعارف أن اليوم من طلوع الشمس إلى غروبها ولم تكن هي حينئذ، نعم العرش وهو المحدد على المشهور موجود إذ ذاك على ما يدل عليه بعض الآيات، وليس بقديم كما يقوله من ضل عن الصراط المستقيم لكن ذاك ليس نافعا في تحقق اليوم العرفي، وإلى حمل اليوم على المتعارف وتقدير المضاف ذهب جمع من العلماء وادعوا - وهو قول عبد الله بن سلام وكعب الأحبار والضحاك ومجاهد واختاره ابن جرير الطبري - أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد ولم يكن في السبت خلق أخذا له من السبت بمعنى القطع لقط الخلق فيه ولتمام الخلق في يوم الجمعة واجتماعه فيه سمي بذلك. وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس أنه سمى
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»