تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٠١
وجعلته مشكلا. قال ابن السكيت: يقال لبست عليه الأمر إذا خلطته عليه حتى لا يعرف جهته أي لخلطنا عليهم بتمثيله رجلا ما يخلطون على أنفسهم حينئذ بأن يقولوا له: إنما أنت بشر ولست بملك، ولو استدل على ملكيته بالمعجز كالقرآن ونحوه كذبوه كما كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، وإسناد اللبس إليه تعالى لأنه بخلقه سبحانه وتعالى أو للزومه لجعله رجلا. ويحتمل أن يكون المعنى للبسنا عليهم حينئذ ما يلبسون على أنفسهم الساعة في تكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم ونسبة آياته البينات إلى السحر، و * (ما) * على ما اختاره في " الكشف " على الأول موصولة وعلى الثاني يجوز أن تكون مصدرية وهو الأظهر لاستمرار حذف المثل في نحو ضربت ضرب الأمير، وأن تكون موصولة أي مثل الذي يلبسونه. ومتعلق * (يلبسون) * على الوجهين على أنفسهم. ويفهم من كلام الزجاج أنه على ضعفائهم حيث قال: كانوا يلبسون على ضعفائهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: إنما هذا بشر مثلكم فأخبر سبحانه وتعالى أنه لو جعلنا المرسل إليهم ملكا لأريناهم إياه في صورة الرجل وحينئذ يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفاءهم منه.
وقرأ ابن محيصن * (ولبسنا) * بلام واحدة والزهري * (وللبسنا عليهم ما يلبسون) * بالتشديد، هذا وقد ذكر الإمام الرازي في بيان وجه الحكمة في جعل الملك على تقدير إنزاله في صورة البشر أمورا. " الأول: أن الجنس إلى الجنس أميل. الثاني: أن البشر لا يطيق رؤية الملك. الثالث: أن طاعات الملك قوية فيستحقرون طاعات البشر وربما لا يعذرونهم في الإقدام على المعاصي. الرابع: أن النبوة فضل من الله تعالى فيختص بها من يشاء من عباده سواء كان ملكا أو بشرا ". ولا يخفى أنه يرد على الوجه الثالث أنه إنما يتم إذا تبدلت حقيقة الملك المقدر نزوله بحقيقة البشر وهو مع كونه من انقلاب الحقائق خلاف ما يفهم من كتب أئمة التفسير من أن التبدل صوري لا حقيقي، وأن الوجه الرابع لا يظهر وجه كونه حكمة لتصوير الملك بصورة البشر. وقول العلائي: لعل وجهه أن المصور الذي قدر كونه نبيا لما اشتمل على جهتين البشرية صورة والملكية حقيقة لم يبعد أن يكون دليلا على أن النبوة فضل من الله تعالى يختص بها من يشاء من عباده سواء كان ملكا كهذا المصور باعتبار حقيقته أو بشرا مثله باعتبار صورته مما لا يتبلج له وجه القبول.
* (ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) *.
* (ولقد استهزىء برسل من قبلك) * تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من قومه كالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وأبي جهل وأضرابهم أي أنك لست أول رسول استهزأ به قومه فكم وكم من رسول جليل الشأن فعل معه ذلك فالتنوين للتفخيم والتكثير و (من) ابتداء متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسل والكلام على حذف مضاف، وفي تصدير الجملة بالقسم وحرف التحقيق من الاعتناء ما لا يخفى. وكون التسلية بهذا المقدار مما خفي على بعض الفضلاء وهو ظاهر، ولك أن تقول: إن التسلية به وبما بعده من قوله تعالى: * (فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) * لأنه متضمن أن من استهزأ بالرسل عوقب فكأنه سبحانه وتعالى وعدهصلى الله عليه وسلم بعقوبة من استهزأ به عليه والسلام إن أصر على ذلك.
وحاق بمعنى أحاط كما روي عن الضحاك واختاره الزجاج، وفسره الفراء بعاد عليه وبال أمره، وقيل: حل واختاره الطبرسي، وقيل: نزل وهو قريب من سابقه ومعناه يدور على الإحاطة والشمول ولا يكاد يستعمل
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»