تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٣٨
وبعضه مما لم يقم الدليل عليه ولم يشهد بصحته الشرع لكن مشاهدة من على الجبل ما ذكر ونحوها يستدعي صحة قولهم في الجملة ولا أرى فيه بأسا، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما من قطرة تنزل إلا ومعها ملك، وهو عند الكثير محمول على ظاهره. والفلاسفة يحملون هذا الملك على الطبيعة الحالة في تلك الجسمية الموجبة لذلك النزول، وقيل: هو نور مجرد عن المادة قائم بنفسه مدبر للقطر حافظ إياه، ويثبت أفلاطون هذا النور المجرد لكل نوع من الأفلاك والكواكب والبسائط العنصرية ومركباتها على ما ذهب إليه صاحب " الإشراق " وهو أحد الأقوال في " المثل الأفلاطونية "، ويشير إلى نحو ذلك كلام الشيخ صدر الدين القونوي في " تفسير الفاتحة "، ونصب * (ماء) * على المفعولية لأنزل، وتقديم المفعول غير الصريح عليه لما مر مرارا.
* (فأخرجنا به) * أي بسبب الماء، والفاء للتعقيب وتعقيب كل شيء بحسبه. و * (أخرجنا) * عطف على * (أنزل) * والإلتفات إلى التكلم إظهارا لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله، وذكر بعضهم نكتة خاصة لهذا الإلتفات غير ما ذكر وهي أنه سبحانه لما ذكر فيما مضى ما ينبهك على أنه الخالق اقتضى ذلك التوجه إليه حتى يخاطب واختيار ضمير العظمة دون ضمير المتكلم وحده لإظهار كمال العناية أي فأخرجنا بعظمتنا بذلك الماء مع وحدته * (نبات كل شيء) * أي كل صنف من أصناف النبات المختلفة في الكم والكيف والخواص والآثار اختلافا متفاوتا في مراتب الزيادة والنقصان حسبما يفصح عنه قوله سبحانه: * (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل) * (الرعد: 4) " والنبات كالنبت وهو - على ما قال الراغب - ما يخرج من الأرض من الناميات سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن له ساق كالنجم لكن اختص في التعارف بما لا ساق له بل قد اختص عند العامة بما تأكله الحيوانات، ومتى اعتبرت الحقائق فإنه يستعمل في كل نام نباتا كان أو حيوانا أو إنسانا ". والمراد هنا عند بعض المعنى الأول.
وجعل قوله تعالى: * (فأخرجنا منه خضرا) * شروعا في تفصيل ما أجمل من الإخراج وقد بدأ بتفصيل حال النجم وضمير * (منه) * للنبات، والخضر بمعنى الأخضر كأعور وعور، وأكثر ما يستعمل الخضر فيما تكون خضرته خلقية، وأصل الخضرة لون بين البياض والسواد وهو إلى السواد أقرب ولذا يسمى الأخضر أسود وبالعكس، والمعنى فأخرجنا من النبات الذي لا ساق له شيئا غضا أخضر وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة. وجوز عود الضمير إلى الماء ومن سببية. وجعل أبو البقاء هذا الكلام حينئذ بدلا من * (أخرجنا) * الأول، وذكر بعض المحققين أن في الآية على تقدير عود الضمير إلى الماء معنى بديعا حيث تضمنت الإشارة إلى أنه تعالى أخرج من الماء الحلو الأبيض في رأي العين أصنافا من النبات والثمار مختلفة الطعوم والألوان وإلى ذلك نظر القائل يصف المطر: يمد على الآفاق بيض خيوطه $ فينسج منها للثرى حلة خضرا وقوله تعالى: * (نخرج منه) * صفة لخضرا، وصيغة المضارع لاستحضار الصورة بما فيها من الغرابة، وجوز أن يكون مستأنفا أي نخرج من ذلك الخضر * (حبا متراكبا) * أي بعضه فوق بعض كما في السنبل وقرىء * (يخرج منه حب متراكب) * * (ومن النخل) * جمع نخل - كما قال الراغب - والنخل معروف ويستعمل في
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»