تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٤٢
ولا فكر ولا روية فيه بل قالوه عن عمى وجهالة أو بغير علم بمرتبة ما قالوه وأنه من الشناعة بالمحل البعيد. وأيا ما كان فالجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من الواو أو نعت لمصدر مؤكد أي خرقوا ملتبسين بغير علم أو خرقا كائنا بغير علم والمقصود على الوجهين ذمهم بالجهل، وقيل: إن ذلك كناية عن نفي ما قالوا فإن ما لا أصل له لا يكون معلوما ولا يقام عليه دليل، ولا حاجة إليه إذ نفيه معلوم من جعله اختلاقا وافتراء ومن قوله عز وجل: * (سبحانه وتعالى عما يصفون) * من أن له جل شأنه شريكا أو ولدا، وقد تقدم الكلام في سبحان وما يفيده من المبالغة في التنزيه، و * (تعالى) * عطف على الفعل المضمر الناصب لسبحان. وفرق الإمام بين التسبيح والتعالي بأن الأول راجع إلى أقوال المسبحين والثاني إلى صفاته تعالى الذاتية التي حصلت لذاته سبحانه لا لغيره والمراد بالبنين فيما تقدم ما فوق الواحد أو أن من يجوز الواحد يجوز الجمع.
* (بديع السم‍اوات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له ص‍احبة وخلق كل شىء وهو بكل شىء عليم) *.
* (بديع السم‍اوات والأرض) * أي مبدعهما " وموجدهما بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان " قاله الراغب، وهو كما يطلق على المبدع يطلق على المبدع اسم مفعول، ومنه قيل: ركي بديع وكذلك البدع بكسر الباء يقال لهما. وقيل: هو من إضافة الصفة المشبهة إلى الفاعل للتخفيف بعد نصبه تشبيها لها باسم الفاعل كما هو المشهور أي بديع سمواته وأرضه من بدع إذا كان على نمط عجيب وشكل فائق وحسن رائق أو إلى الظرف كما في قولهم فلان ثبت الغدر أي ثبت في الغدر وهو بغين معجمة ودال وراء مهملتين المكان ذو الحجارة والشقوق ويقولون ذلك إذا كان الرجل ثبتا في قتال أو كلام. والمراد من بديع في السموات والأرض أنه سبحانه عديم النظير فيهما. ومعنى ذلك - على ما قال بعض المحققين - أن إبداعه لهما لا نظير له لأنهما أعظم المخلوقات الظاهرة فلا يرد أنه لا يلزم من نفي النظير فيهما نفيه مطلقا، ولا حاجة إلى تكلف أنه خارج مخرج الرد على المشركين بحسب زعمهم أنه لا موجود خارج عنهما. واختار غير واحد التفسير الأول، والمعنى عليه أنه تعالى مبدع لقطري العالم العلوي والسفلي بلا مادة فاعل على الإطلاق منزه عن الإنفعال بالكلية، والوالد عنصر الولد منفعل بانتقال مادته عنه فكيف يمكن أن يكون له ولد؟. وقرىء * (بديع) * بالنصب على المدح والجر على أنه بدل من الاسم الجليل أو من الضمير المجرور في * (سبحانه) * (الأنعام: 100) على رأي من يجوزه، وارتفاعه على القراءة المشهورة على ثلاثة أوجه - كما قال أبو البقاء -، الأول: أنه خبر مبتدأ محذوف، والثاني: أنه فاعل * (تعالى) * (الأنعام: 100) وإظهاره في موضع الإضمار لتعليل الحكم، وتوسيط الظرف بينه وبين الفعل للاهتمام ببيانه.
والثالث: أنه مبتدأ خبره قوله سبحانه: * (أنى يكون له ولد) * وهو على الأولين جملة مستقلة مسوقة كما قبلها لبيان استحالة ما نسبوه إليه تعالى وتقرير تنزيهه عنه جل شأنه. وقوله تعالى: * (ولم تكن له صاحبة) * حال مؤكدة للاستحالة المذكورة ضرورة أن الولد لا يكون بلا والدة أصلا وإن أمكن وجوده بلا والد أي من أين أو كيف يكون له ولد والحال أنه ليس له صاحبة يكون الولد منها. وقرأ إبراهيم النخعي * (لم يكن) * بتذكير الفعل؛ وجاز ذلك مع أن المرفوع مؤنث للفصل كما في قوله: لقد ولد الأخيطل أم سوء $ على قمع استها صلب وشام قال ابن جنى: تؤنث الأفعال لتأنيث فاعلها لأنهما يجريان مجرى كلمة واحدة لعدم استغناء كل
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»