الفاعل أسوة أمثاله في الآية إلا أنه عدل عن ذلك إلى المضارع في هذا الوصف وحده إرادة لتصوير إخراج الحي من الميت واستحضاره في ذهن السامع وذلك إنما يتأتى بالمضارع دون اسم الفاعل والماضي ألم تر * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة) * (الحج: 63) كيف عدل فيه عن الماضي المطابق لأنزل لذلك، وقوله:
بأني قد لقيت الغول يسعى $ بسهب كالصحيفة صحصحان فآخذه وأضربه فخرت $ صريعا لليدين وللجران فإنه عدل فيه إلى المضارع إرادة لتصوير شجاعته واستحضارها لذهن السامع إلى ما لا يحصى كثرة، وهو إنما يجيء فيما تكون العناية فيه أقوى، ولا شك أن إخراج الحي من الميت أشهر في القدرة من عكسه وهو أيضا أول الحالين والنظر أول ما يبدأ فيه ثم القسم الآخر ناشىء عنه فكان الأول جديرا بالتصوير والتأكيد في النفس ولذلك هو مقدم أبدا على القسم الآخر في الذكر حسب ترتبهما في الواقع، وسهل عطف الاسم على الفعل وحسنه أن اسم الفاعل في معنى المضارع وكل منهما يقدر بالآخر فلا جناح في عطفه عليه ".
وقال الإمام في وجه ذلك الاختلاف: " إن لفظ الفعل يدل على أن الفاعل معتن بالفعل في كل حين وأوان، وأما لفظ الاسم فإنه لا يفيد التجدد والاعتناء به ساعة فساعة، ويرشد إلى هذا ما ذكره الشيخ عبد القاهر في " دلائل الإعجاز " من أن قوله سبحانه: * (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء) * (فاطر: 3) قد ذكر فيه الرزق بلفظ الفعل لأنه يفيد أنه تعالى يرزقهم حالا فحالا وساعة فساعة، وقوله عز شأنه * (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) * (الكهف: 18) قد ذكر فيه الاسم ليفيد البقاء على تلك الحالة، وإذا ثبت ذلك يقال: لما كان الحي أشرف من الميت وجب أن يكون الإعتناء بإخراج الحي من الميت أكثر من الاعتناء بإخراج الميت من الحي، فلذا وقع التعبير عن القسم الأول بصيغة الفعل وعن الثاني بصيغة الاسم تنبيها على أن الإعتناء بإيجاد الحي من الميت أكثر وأكمل من الإعتناء بإيجاد الميت من الحي ". ثم العطف لاشتمال الكلام به على زيادة لا يضر بكون الجملة بيانا لما تقدم كما لا يضر شمول الحي والميت في الجملة المعطوف عليها للحيوان والنبات فيه. وأيا ما كان فلا بد من القول بعموم المجاز أو الجمع بين المجاز والحقيقة على مذهب من يرى صحته إن قلنا: إن الحي حقيقة فيمن يكون موصوفا بالحياة وهي صفة توجب صحة الإدراك والقدرة والميت حقيقة فيمن فارقته تلك الصفة أو نحو ذلك. وأن إطلاقه على نحو النبات والشجر الغض والحب والنوى مجاز. وبهذا يشعر كلام الإمام فإنه جعل ما نقل عن الزجاج أن المعنى يخرج النبات الغض الطري من الحب اليابس ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي من الوجوه المجازية كالمروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن المعنى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.
* (ذالكم) * القادر العظيم الشأن الساطع البرهان هو * (الله) * الذات الواجب الوجود المستحق للعبادة وحده * (فأنى تؤفكون) * فكيف تصرفون عن عبادته وتشركون به من لا يقدر على شيء لا سبيل إلى ذلك أصلا. " وتمسك الصاحب بن عباد بهذا على أن فعل العبد ليس مخلوقا لله تعالى لأنه سبحانه لو خلق فيه الإفك لم يلق به عز شأنه أن يقول: * (فأنى تؤفكون) * " وقد قدمنا الجواب على ذلك على أتم وجه فتذكر.
* (فالق الإصباح وجعل اليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذالك تقدير العزيز العليم) *.
* (فالق الإصباح) * خبر لمبتدأ محذوف أي هو فالق أو خبر آخر لإن. والإصباح بكسر الهمزة مصدر سمي به الصبح؛ قال امرؤ القيس: