تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٤١
الملائكة حيث عبدوهم وقالوا: إنهم بنات الله سبحانه، وتسميتهم جنا مجاز لاجتنانهم واستتارهم عن الأعين كالجن. وفي التعبير عنهم بذلك حط لشأنهم بالنسبة إلى مقام الإلهية.
وروي هذا عن قتادة والسدي، ويفهم من كلام بعضهم أن الجن تشمل الملائكة حقيقة. وقيل: المراد بهم الشياطين وروى عن الحسن. ومعنى جعلهم شركاء أنهم أطاعوهم كما يطاع الله تعالى أو عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم. ويروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الاية نزلت في الزنادقة الذين قالوا: إن الله تعالى خالق الناس، والدواب، والأنعام، والحيوان، وإبليس خالق السباع، والحيات، والعقارب والشرور. فالمراد من الجن إبليس وأتباعه الذين يفعلون الشرور ويلقون الوساوس الخبيثة إلى الأرواح البشرية، وهؤلاء المجوس القائلون بالنور والظلمة ولهم في هذا الباب أقوال تمجها الأسماع وتشمئز عنها النفوس. وادعى الإمام أن هذا أحسن الوجوه المذكورة في الآية، ومفعولا - جعل - قيل: لله وشركاء، والجن إما منصوب بمحذوف وقع جوابا عن سؤال كأنه قيل: من جعلوه شركاء؟ فقيل: الجن، أو منصوب على البدلية من * (شركاء) * والمبدل منه ليس في حكم الساقط بالكلية وتقديم المفعول الثاني لأنه محز الإنكار ولأن المفعول الأول منكر يستحق التأخير. وقيل: هما شركاء والجن، وتقديم ثانيهما على الأول لاستعظام أن يتخذ لله سبحانه شريك ما كائنا ما كان، و * (لله) * متعلق بشركاء وتقديمه عليه للنكتة المذكورة أيضا على ما اختاره الزمخشري وقرىء * (الجن) * بالرفع كأنه قيل: من هم؟ فقيل: الجن وبالجر على الإضافة التي هي للتبيين:
* (وخلقهم) * حال من فاعل * (جعلوا) * بتقدير قد أو بدونه على اختلاف الرأيين مؤكدة لما في جعلهم ذلك من الشناعة والبطلان باعتبار علمهم بمضمونها أي وقد علموا أن الله تعالى خالقهم خاصة، وقيل: الضمير (للجن) أي والحال أنه تعالى خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكا له. ورجح الأول بخلوه عن تشتت الضمائر ورجح الإمام الثاني بأن عود الضمير إلى أقرب المذكورات واجب، وبأنه إذا رجع الضمير إلى هذا الأقرب صار اللفظ الواحد دليلا قاطعا تاما كاملا في إبطال المذهب الباطل. وقرأ يحيى بن يعمر * (وخلقهم) * على صيغة المصدر عطفا على * (الجن) * أي وما يخلقونه من الأصنام أو على * (شركاء) * أي وجعلوا له اختلاقهم للقبائح حيث نسبوها إليه سبحانه وقالوا: الله أمرنا بها.
* (وخرقوا له) * أي افتعلوا وافتروا له سبحانه، قال الفراء: يقال: خلق الإفك واختلقه وخرقه واخترقه بمعنى. ونقل عن الحسن أنه سئل عن ذلك فقال: كلمة عربية كانت العرب تقولها كان الرجل إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول له بعضهم: قد خرقها والله. وقال الراغب " أصل الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تفكر ولا تدبر. ومنه قوله تعالى: * (أخرقتها لتغرق أهلها) * (الكهف: 71) وهو ضد الخلق فإنه فعل الشيء بتقدير ورفق والخرق بغير تقدير قال تعالى: * (وخرقوا له) * أي حكموا بذلك على سبيل الخرق وباعتبار القطع ". وقرأ نافع * (وخرقوا) * بتشديد الراء للتكثير. وقرأ ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم * (وحرفوا) * من التحريف أي وزوروا له.
* (بنين وبنات) * فقالت اليهود؛ عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله وقالت العرب الملائكة بنات الله والله سبحانه منزه عما قالواه * (بغير علم) * بحقيقته من خطأ أو صواب
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»