تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٣٢
إلا لمن أتقن علمي الهندسة والمناظر فأولى منه أن يختلف باختلاف النظر لاختلافه باختلاف الفصول والكيفيات العارضة لمحله فقد يدق في بعض ذلك حتى لا يرى أصلا وحينئذ فهذا عذر من عبر بأنه يغيب ثم تعقبه ظلمة، هذا ولا يخفى أن القول بحدوث ضوء الصبح بمجرد خلق الله تعالى لا عن سبب عادي كما يشير إليه كلام الإمام أهون من القول بأنه من شعاع يخرج من طباق جبل قاف. والقول بخروج الشعاع من هذا الطباق أهون من القول بخروج الشمس التي هي على ما بين في الأجرام مائة وستة وستون مثلا للأرض مع كسر تقدم على ما هو المشهور أو ثلاثمائة وستة وعشرون مثلا لها على ما قاله غياث الدين جمشيد الكاشي في رسالته سلم السماء أو ما يقرب من ذلك على ما في بعض الروايات من كوة من جبل محيط بالأرض.
والخبر في ذلك إن صح وقلنا: إن له حكم المرفوع مما ينبغي تأويله وباب التأويل أوسع من تلك الكوة فإن كثيرا من الناس قد قطعوا دائرة الأرض على مدار السرطان مرارا ولم يجدوا أثرا لهذا الجبل المحيط الشامخ. وإثبات سبعة جبال وسبعة أبحر على الوجه السابق مما لا يخفى ما فيه أيضا. وكون الله تعالى لا يعجزه شيء مما لا يشك فيه إلا ملحد لكن الكلام في وقوع ما ذكر في الخارج. والذي تميل إليه قلوب كثير من الناس في أمر الصبح ما ذكره أهل الهيئة.
وقد بين أرسطرخس في الشكل الثاني من " كتابه في جرم النيرين " أن الكرة إذا اقتبست الضوء من كرة أعظم منها كان المضيء منها أعظم من نصفها. وقد بين أيضا في الشكل الأول من ذلك الكتاب أن كل كرتين مختلفتين أمكن أن يحيط بهما مخروط مستدير رأسه يلي أصغرهما ويكون المخروط مماسا لكل منهما على محيط دائرة، ولا شك أنه محيط بالشمس والأرض مخروط مؤلف من خطوط شعاعية رأسه يلي الأرض فيكون هذا المخروط مماسا للأرض على دائرة فاصلة بين المضيء والمظلم منها وهي دائرة صغيرة لأن الجزء المضيء من الأرض أصغر.
وقد حققوا أن المستنير من الهواء كرة البخار سوى ما دخل في ظل مخروط الأرض وهي مستنيرة أبدا لكثافتها وإحاطة أشعة الشمس بها لكنها لا ترى في الليل لبعدها عن البصر وإن سهم المخروط أبدا في مقابلة جرم الشمس كما أشرنا إليه. ففي منتصف الليل يكون على دائرة نصف النهار وبعد ذلك يميل إلى جانب الغروب لحظة فلحظة إلى أن يرى البياض في جانب المشرق على ما تقدم تفصيله وعلى هذا لا يلزم في الصورة التي ذكرها الإمام من مجاوزة مركز الشمس دائرة نصف الليل وطلوعها على أولئك الأقوام. واستنارة نصف العالم عندهم استنارة الربع الشرقي عندنا لاختلاف الوضع كما لا يخفى على المتأمل، والتزام القول بالكروية والمخروط ونحو ذلك مما ذكره أهل الهيئة لا بأس به، نعم اعتقاد صحة ما يقولونه مما علم خلافه من الدين بالضرورة أو علم بدليل قطعي كفر أو ضلال فتدبر. وقرىء * (فالق) * بالنصب على المدح. وقرأ النخعي * (فلق الإصباح) *.
* (وجعل الليل سكنا) * أي يسكن إليه من يتعب بالنهار ويستأنس به لاسترواحه فيه وكل ما يسكن إليه الرجل ويطمئن استئناسا به واسترواحا إليه من زوج أو حبيب يقال له: سكن، ومنه قيل للنار: سكن لأنه يستأنس بها ولذا سموها مؤنسة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أن المعنى يسكن فيه كل طير ودابة وروي نحوه عن ابن عباس ومجاهد
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»