إذا تعددت ولم يعطف أولها يمتنع العطف أو يقبح والواقع خلافه، والأولى ما يقال: إن الداعي أن اللفظ والمعنى يقتضيانه، أما المعنى فلأن الإنذار علة لإنزاله كما يدل عليه * (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به) * (الأنعام: 19) ولو عطف لكان على أول الصفات على الراجح في العطف عند التعدد، ولا يحسن عطف التعليل على المعلل به ولا الجار والمجرور على الجملة الفعلية. فإنه نظير هذا رجل قام عندي وليخدمني وهو كما ترى. ومنه يعلم الداعي اللفظي وجوز أن يكون علة لمحذوف يقدر مؤخرا أو مقدما أي ولتنذر أنزلناه أو وأنزلناه لتنذر، وتقديم الجار للاهتمام أو للحصر الإضافي، وأن يكون عطفا على مقدر أي لتبشر ولتنذر، وأيا ما كان ففي الكلام مضاف محذوف أي أهل أم القرى، والمراد بها مكة المكرمة، وسميت بذلك لأنها قبلة أهل القرى وحجهم وهم يتجمعون عندها تجمع الأولاد عند الأم المشفقة ويعظمونها أيضا تعظيم الأم، ونقل ذلك عن الزجاج والجبائي، ولأنها أعظم القرى شأنا فغيرها تبع لها كما يتبع الفرع الأصل. وقيل لأن الأرض دحيت من تحتها فكأنها خرجت من تحتها كما تخرج الأولاد من تحت الأم أو لأنها مكان أول بيت وضع للناس. ونقل ذلك عن السدي وقرأ أبو بكر عن عاصم * (لينذر) * بالياء التحتية على الإسناد المجازي للكتاب لأنه منذر به.
* (ومن حولها) * من أهل المدر والوبر في المشارق والمغارب لعموم بعثه صلى الله عليه وسلم الصادع بها القرآن في غير آية، واللفظ لا يأبى هذا الحمل فلا متمسك بالآية لطائفة من اليهود زعموا أنه صلى الله عليه وسلم مرسل للعرب خاصة، على أنه يمكن أن يقال: خص أولئك بالذكر لأنهم أحق بإنذاره عليه الصلاة والسلام كقوله تعالى: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (الشعراء: 214) ولذا أنزل كتاب كل رسول بلسان قومه * (والذين يؤمنون بالآخرة) * وبما فيها من الثواب والعقاب، ومن اقتصر على الثاني في البيان لاحظ سبق الإنذار * (يؤمنون به) * أي بالكتاب، قيل: أو بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنهم يرهبون من العذاب ويرغبون في الثواب ولا يزال ذلك يحملهم على النظر والتأمل حتى يؤمنوا به * (وهم على صلاتهم يحافظون) * يحتمل أن يراد بالصلاة مطلق الطاعة مجازا أو اكتفى ببعضها الذي هو عماد الدين وعلم الإيمان ولذا أطلق على ذلك الإيمان مجازا كقوله تعالى: * (ما كان الله ليضيع إيمانكم) * (البقرة: 143).
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شىء ومن قال سأنزل مثل مآ أنزل الله ولو ترىإذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن ءاياته تستكبرون) *.
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * كالذين قالوا * (ما أنزل الله على بشر من شيء) * (الأنعام: 91) * (أو قال أوحي إلي) * من جهته تعالى * (ولم يوح إليه) * أي والحال أنه لم يوح إليه * (شيء) * كمسيلمة. والأسود العنسي * (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) * أي أنا قادر على مثل ذلك النظم كالذين قالوا: * (لو نشاء لقلنا مثل هذا) * (الأنفال: 31) وتفسير الأول: بما ذكرناه لم نقف عليه لغيرنا، وتفسير الثاني: ذهب إليه الزمخشري وغيره وتفسير الثالث: ذهب إليه الزجاج ومن وافقه. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن جريج أن قوله سبحانه: * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) * نزلت في مسيلمة الكذاب والأخير نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح وجعل بعضهم على هذا عطف * (أو قال) * الأول على * (افترى) * الخ من عطف التفسير.
وتعقب بأنه لا يكون بأو، واستحسن أنه من عطف المغاير باعتبار العنوان وأو للتنويع يعني أنه تارة ادعى أن الله تعالى بعثه نبيا وأخرى أن الله تعالى أوحى إليه وإن كان يلزم النبوة في نفس الأمر الإيحاء ويلزم الإيحاء النبوة، ويفهم من صنيع بعضهم أن أو بمعنى الواو، وأما ابن أبي سرح فلم يدع صريحا القدرة ولكن