تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٢٤
قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف عليه في المطالبة ولا يمهله ويقول له: أخرج ما لي عليك الساعة ولا أريم مكاني حتى أنزعه من أحداقك، وفي " الكشف " إنه كناية عن العنف في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال ولا بسط ولا قول حقيقة هناك، واستظهر ابن المنير أنهم يفعلون معهم هذه الأمور حقيقة على الصور المحكية، وإذا أمكن البقاء على الحقيقة فلا معدل عنها ".
* (اليوم) * المراد به مطلق الزمان لا المتعارف، وهو إما حين الموت أو ما يشمله وما بعده * (تجزون عذاب الهون) * أي المشتمل على الهوان والشدة والإضافة كما في رجل سوء تفيد أنه متمكن في ذلك لأن الإختصاص الذي تفيده الإضافة أقوى من اختصاص التوصيف، وجوز أن تكون الإضافة على ظاهرها لأن العذاب قد يكون للتأديب لا للهوان والخزي. ومن الناس من فسر غمرات الموت بشدائد العذاب في النار فإنها وإن كانت أشد من سكرات الموت في الحقيقة إلا أنها استعملت فيها تقريبا للإفهام، وبسط الملائكة أيديهم بضربهم للظالمين في النار بمقامع من حديد والإخراج بالإخراج من النار وعذابها واليوم باليوم المعلوم.
* (بما كنتم تقولون) * مفترين * (على الله غير الحق) * من نفي إنزاله على بشر شيئا وادعاء الوحي أو من نسبة الشرك إليه ودعوى النبوة كذبا ونفيها عمن اتصف بها حقيقة أو نحو ذلك. وفي التعبير * (بغير الحق) * عن الباطل ما لا يخفى وهو مفعول * (تقولون) *، وجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي قولا غير الحق * (وكنتم عن آياته تستكبرون) * أي تعرضون فلا تتأملون فيها ولا تؤمنون.
* (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقن‍اكم أول مرة وتركتم ما خولن‍اكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعآءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركآء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) *.
* (ولقد جئتمونا) * للحساب * (فرادى) * أي منفردين عن الأعوان والأوثان التي زعمتم أنها شفعاؤكم أو عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا. أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن عكرمة قال: النضر بن الحرث سوف تشفع لي اللات والعزى فنزلت، والجملة على ما ذهب إليه بعض المحققين مستأنفة من كلامه تعالى ولا ينافي قوله تعالى: * (ولا يكلمهم) * (البقرة: 174) لأن المراد نفي تكليمهم بما ينفعهم أو لأنه كناية عن الغضب، وقيل: معطوفة على قول * (الملائكة... أخرجوا) * (الأنعام: 93) الخ وهي من جملة كلامهم وفيه بعد وإن ظنه الإمام أولى وأقوى. ونصب * (فرادى) * على الحال من ضمير الفاعل وهو جمع فرد على خلاف القياس كأنه جمع فردان كسكران على ما في " الصحاح "، والألف للتأنيث ككسالى، والراء في فرده مفتوحة عند صاحب " الدر المصون " وحكى بصيغة التمريض سكونها، ونقل عن الراغب " أنه جمع فريد كأسير وأسارى "، وفي " القاموس " " يقال: جاءوا فرادا وفرادا وفرادى وفراد وفراد وفردى كسكرى أي واحدا بعد واحد والواحد فرد وفرد وفريد وفردان ولا يجوز فرد في هذا المعنى "، ولعل هذا بعيد الإرادة في الآية. وقرىء * (فرادا) * كرخال المضموم الراء وفراد كآحاد ورباع في كونه صفة معدولة، ولا يرد أن مجيء هذا الوزن المعدول مخصوص بالعدد بل ببعض كلماته لما نص عليه الفراء وغيره من عدم الاختصاص، نعم هو شائع فيما ذكر. وفردى كسكرى تأنيث فردان والتأنيث لجمع ذي الحال.
* (كما خلقناكم أول مرة) * بدل من * (فرادى) * بدل كل لأن المراد المشابهة في الانفراد المذكور، والكاف اسم بمعنى مثل أي مثل الهيئة، التي ولدتم عليها في الانفراد ويجوز أن يكون حالا ثانية على رأي من يجوز تعدد الحال من غير عطف وهو الصحيح أو حالا من الضمير في * (فرادى) * فهي حال مترادفة أو متداخلة والتشبيه
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»