تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٢١
علمكم ما لم تعلموا وفيه بعد. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد أن هذا خطاب للمسلمين. وروي عنه أنه قرأ (وعلمتم معشر العرب ما لم) الخ وهو عند قوم اعتراض للإمتنان على النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه بهدايتهم للمجادلة بالتي هي أحسن. وقال بعضهم: إن الناس فيما تقدم عام يدخل فيهم المسلمون واليهود، و * (علمتم) * عطف على * (تجعلونه) * والخطاب فيه للناس باعتبار اليهود وفي * (علمتم) * لهم باعتبار المسلمين ولا يخفى أنه تكلف.
وقوله سبحانه: * (قل الله) * أمر لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب السؤال السابق عنهم إشارة إلى أنهم ينكرون الحق مكابرة منهم، وإشعارا بتعين الجواب وإيذانا بأنهم أفحموا، ولم يقدروا على التكلم أصلا، والاسم الجليل إما فاعل فعل مقدر أو مبتدأ خبره جملة مقدرة أي أنزل الله أو الله تعالى أنزله، والخلاف في الأرجح من الوجهين مشهور * (ثم ذرهم) * أي دعهم * (في خوضهم) * أي باطلهم فلا عليك بعد إلزام الحجة وإلقام الحجر * (يلعبون) * في موضع الحال من - هم - الأول، والظرف صلة * (ذرهم) * أو * (يلعبون) * أو حال من مفعول * (ذرهم) * أو من فاعل * (يلعبون) * وجوز أن يكون في موضع الحال من - هم - الثاني، وهو في المعنى فاعل المصدر المضاف إليه، والظرف متصل بما قبله إما على أنه لغو أو حال من - هم - ولا يجوز حينئذ جعله متصلا بيلعبون على الحالية أو اللغوية لأنه يكون معمولا له متأخرا عنه رتبة ومعنى مع أنه متقدم عليه رتبة أيضا لأن العامل في الحال عامل في صاحبها فيكون فيه دور وفساد في المعنى. والآية عند بعض منسوخة بآية السيف، واختار الإمام عدم النسخ لأنها واردة مورد التهديد وهو لا ينافي حصول المقاتلة فلم يكن ورود الآية الدالة على وجوبها رافعا للمدلول فلم يحصل النسخ فيه.
* (وه‍اذا كت‍ابأنزلن‍اه مبارك مصدق الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) *.
* (وه‍اذا كتاب أنزلناه) * تحقيق لإنزال القرآن الكريم بعد تقرير إنزال ما بشر به من التوراة وتكذيب لكلمتهم الشنعاء إثر تكذيب، وتنكير * (كتاب) * للتفخيم، وجملة * (أنزلناه) * في موضع الرفع صفة له وقوله سبحانه: * (مبارك) * أي كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الأولين والآخرين صفة بعد صفة. قال الإمام: " جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عن هذا الكتاب المتمسك به يحصل به عز الدنيا وسعادة الآخرة " ولقد شاهدنا والحمد لله عز وجل ثمرة خدمتنا له في الدنيا فنسأله أن لا يحرمنا سعادة الآخرة إنه البر الرحيم. وقوله جل وعلا: * (مصدق الذي بين يديه) * صفة أخرى، والإضافة - على ما نص عليه أبو البقاء - غير محضة، والمراد بالموصول إما التوراة لأنها أعظم كتاب نزل قبل ولأن الخطاب مع اليهود، وأما ما يعمها وغيرها من الكتب السماوية وروي ذلك عن الحسن، وتذكير الموصول باعتبار الكتاب أو المنزل أو نحو ذلك، ومعنى كونها بين يديه أنها متقدمة عليه فإن كل ما كان بين اليدين كذلك وتصديقه للكل في إثبات التوحيد والأمر به ونفي الشرك والنهي عنه وفي سائر أصول الشرائع التي لا تنسخ. * (ولتنذر أم القرى) * قيل: عطف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل: أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه والإنذار. واختار العلامة الثاني كونه عطفا على صريح الوصف أي كتاب مبارك وكائن للإنذار، وادعى أنه لاحاجة مع هذا إلى ذلك التكلف فإن عطف الظرف على المفرد في باب الخبر والصفة كثير، ودعوى أن الداعي إليه عرو تلك الصفات السابقة عن حرف العطف واقتران هذا به تستدعي القول بأن الصفات
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»