تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٢١٧
لدليل العقل والسمع، وبهذا أجاب العلامة الثاني عما أورده سؤالا من أن الواجب في الاعتقادات وأصول الدين هو اتباع الدليل من العقل والسمع فلا يجوز سيما للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقلد غيره فما معنى أمره عليه الصلاة والسلام بالاقتداء. وأورد عليه أن اعتقاده عليه الصلاة والسلام حينئذ ليس لأجل اعتقادهم بل لأجل الدليل فلا معنى لأمره بالاقتداء بذلك. واعترض أيضا بأن الأخذ بأصول الدين حاصل له قبل نزول الآية فلا معنى للأمر بأخذ ما قد أخذ قبل اللهم إلا أن يحمل على الأمر بالثبات عليه. وحقق القطب الرازي في " حواشيه على الكشاف " أنه يتعين أن الاقتداء المأمور به ليس إلا في الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة كالحلم والصبر والزهد وكثرة الشكر والتضرع ونحوها ويكون في الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل منهم قطعا لتضمنها أن الله تعالى هدى أولئك الأنبياء عليهم السلام إلى فضائل الأخلاق وصفات الكمال وحيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهداهم جميعا امتنع للعصمة أن يقال: إنه لم يمتثل فلا بد أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام قد امتثل وأتى بجميع ذلك وحصل تلك الأخلاق الفاضلة التي في جميعهم فاجتمع فيه من خصال الكمال ما كان متفرقا فيهم وحينئذ يكون أفضل من جميعهم قطعا كما أنه أفضل من كل واحد منهم وهو استنباط حسن. واستدل بعضهم بها على أنه صلى الله عليه وسلم متعبد بشرع من قبله وليس بشيء، وفي أمره عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بهداهم دون الاقتداء بهم ما لا يخفى من الإشارة إلى علو مقامه صلى الله عليه وسلم عند أرباب الذوق.
والهاء في * (اقتده) * هاء السكت التي تزاد في الوقف ساكنة، وقد تثبت في الدرج ساكنة أيضا إجراء للوصل مجرى الوقف، وبذلك قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم ويحذف الهاء في الوصل خاصة حمزة والكسائي وقرأ ابن عامر * (اقتده) * بكسر الهاء من غير إشباع وهو الذي تسميه القراء اختلاسا وهي رواية هشام عنه وروى غيره إشباعها وهو كسرها ووصلها بياء، وزعم أبو بكر بن مجاهد أن قراءة ابن عامر غلط معللا ذلك بأن الهاء هاء الوقف فلا تحرك في حال من الأحوال وإنما تذكر ليظهر بها حركة ما قبلها. وتعقبه أبو علي الفارسي بأن الهاء ضمير المصدر وليست هاء السكت أي اقتد الاقتداء ومثله كما قال أبو البقاء قوله: هذا سراقة للقرآن يدرسه $ والمرء عند الوشا إن يلقها ذيب فإن الهاء فيه ضمير الدرس لا مفعول لأن يدرس قد تعدى إلى القرآن. وقال بعضهم: إن هاء السكت قد تحرك تشبيها لها بهاء الضمير، والعرب كثيرا ما تعطي الشيء حكم ما يشبهه وتحمله عليه، وقد روى قول أبي الطيب: واحر قلباه مما قلبه شبم بضم الهاء وكسرها على أنها هاء السكت شبهت بهاء الضمير فحركت. واستحسن صاحب " الدر المصون " جعل الكسر لالتقاء الساكنين لا لشبه الضمير لأن هاءه لا تكسر بعد الألف فكيف ما يشبهها. وزعم الإمام أن إثبات الهاء في الوصل للاقتداء بالإمام ولا يقتدى به في ذلك لأنه يقتضي أن القراءة بغير نقل تقليدا للخط وهو وهم.
* (قل لا أسألكم) * أي لا أطلب منكم * (عليه) * أي على القرآن أو على التبليغ فإن مساق الكلام يدل عليهما وإن لم يجر ذكرهما * (أجرا) * أي جعلا قل أو كثر كما لم يسأله من قبلي من
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»