تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٨٥
فقالوا: مرحبا يا أبا القاسم لماذا جئت؟ قال: رجل من أصحابي قتل رجلين من كلاب معهما أمان مني طلب مني ديتهما فأريد أن تعينوني قالوا: نعم اقعد حتى نجمع لك فقعد تحت الحصن وأبو بكر وعمر وعلي، وقد تآمر بنو النضير أن يطرحوا عليه عليه الصلاة والسلام حجرا فجاء جبريل عليه السلام فأخبره فقام ومن معه ". وقيل: إشارة إلى ما أخرجه غير واحد من حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله تعالى - قالها الأعرابي مرتين، أو ثلاثا - والنبي صلى الله عليه وسلم في كل ذلك يقول: الله تعالى، فشام الأعرابي السيف فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه "، ولا يخفى أن سبب النزول يجوز تعدده، وأن القوم قد يطلق على الواحد كالناس في قوله تعالى: * (الذين قال لهم الناس) * (آل عمران: 173) وأن ضرر الرئيس ونفعه يعودان إلى المرؤوس.
* (واتقوا الله) * عطف على * (اذكروا) * أي اتقوه في رعاية حقوق نعمته ولا تخلوا بشكرها، أي في الأعم من ذلك ويدخل هو دخولا أوليا. * (وعلى الله) * خاصة دون غيره استقلالا أو اشتراكا * (فليتوكل المؤمنون) * فإنه سبحانه كاف في درء المفاسد وجلب المصالح، والجملة تذييل مقرر لما قبله، وإيثار صيغة أمر الغائب وإسنادها للمؤمنين لإيجاب التوكل على المخاطبين بطريق برهاني ولإظهار ما يدعو إلى الامتثال، ويزع عن الإخلال مع رعاية الفاصلة، وإظهار الاسم الجليل لتعليل الحكم وتقوية استقلال الجملة التذييلية - وقد مرت نظائره - وهذه الآية كما نقل عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه - تقرأ سبعا صباحا - وسبعا مساءا لدفع الطاعون..
* (ولقد أخذ الله ميث‍اق بنىإسراءيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا وقال الله إنى معكم لئن أقمتم الصلواة وءاتيتم الزكواة وءامنتم برسلى وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئ‍اتكم ولادخلنكم جن‍ات تجرى من تحتها الانه‍ار فمن كفر بعد ذالك منكم فقد ضل سوآء السبيل) *.
* (ولقد أخذ الله ميث‍اق بنيإسراءيل) * كلام مستأنف مشتمل على بيان بعض ما صدر من بني إسرائيل مسوق لتقرير المؤمنين على ذكر نعمة الله تعالى ومراعاة حق الميثاق، وتحذيرهم من نقضه، أو لتقرير ما ذكر من الهم بالبطش، وتحقيقه بناءا على أنه كان صادرا من أسلافهم ببيان أن الغدر والخيانة فيهم شنشنة أخزمية، وإظهار الاسم الجليل هنا لتربية المهابة وتفخيم الميثاق وتهويل الخطب في نقضه مع ما فيه من رعاية حق الاستئناف المستدعي للانقطاع عما قبله، والالتفات في قوله تعالى: * (وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) * للجري على سنن الكبرياء، وتقديم المفعول الغير الصريح على الصريح لما مر غير مرة من الاهتمام والتشويق، و - النقيب - قيل: فعيل بمعنى فاعل مشتقا من النقب بمعنى التفتيش، ومنه * (فنقبوا في البلاد) * (ق: 36) وسمي بذلك لتفتيشه عن أحوال القوم وأسرارهم، وقيل: بمعنى مفعول كأن القوم اختاروه على علم منهم، وتفتيش على أحوالهم. قال الزجاج: وأصله من النقب وهو الثقب الواسع والطريق في الجبل، ويقال: فلان حسن النقيبة أي جميل الخليقة، ونقاب: للعالم بالأشياء الذكي القلب الكثير البحث عن الأمور، وهذا الباب كله معناه التأثير في الشيء الذي له عمق، ومن ذلك نقبت الحائط أي بلغت في النقب آخره.
روي أن بني إسرائيل لما فرغوا من أمر فرعون أمرهم الله تعالى بالمسير إلى أريحاء أرض الشام وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون، وقال سبحانه لهم: إني كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها فإني ناصركم، وأمر جل شأنه موسى عليه السلام أن يأخذ من كل سبط كفيلا عليهم بالوفاء فيما أمروا به فأخذ عليهم الميثاق،
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»