تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٨٨
بوجوبهما حسبما يراد منهم مع ارتكابهم تكذيب بعض الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولمراعاة المقارنة بينه وبين قوله تعالى: * (وعزرتموهم) *، وقال بعضهم: إن جملة * (وآمنتم برسلي) * إلى آخره كناية إيمائية عن المجاهدة، ونصرة دين الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام والإنفاق في سبيله كأنه قيل: لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وجاهدتم في سبيل الله يدل عليه قوله تعالى: * (ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) * (المائدة: 21) فإن المعنى لا ترتدوا على أدباركم في دينكم لمخالفتكم أمر ربكم وعصيانكم نبيكم عليه الصلاة والسلام، وإنما وقع الاهتمام بشأن هذه القرينة دون الأولين، وأبرزت في معرض الكناية لأن القوم كانوا يتقاعدون عن القتال ويقولون لموسى عليه السلام إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون انتهى، ولا يخلو عن نظر. وقيل: إنما قدم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لأنها الظاهر من أحوالهم الدالة على إيمانهم، و - التعزير - أصل معناه المنع والذب، وقيل: التقوية من العزر، وهو والأزر من واد واحد، ولا يخفى أن في التقوية منعا لمن قويته عن غيره فهما متقاربان، ثم تجوز فيه عن النصرة لما فيها من ذلك وعن التأديب، وهو في الشرع ما كان دون الحد لأنه رادع ومانع عن ارتكاب القبيح، ولذا سمي في الحديث نصرة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحجزه - أو تمنعه - عن الظلم فإن ذلك نصره "، وقال الراغب: " التعزير النصرة مع التعظيم "، وبالنصرة فقط - فسره الحسن. ومجاهد، وبالتعظيم فقط فسره ابن زيد. وأبو عبيدة، وقرىء - عزرتموهم - بالتخفيف.
* (وأقرضتم الله) * أي بالإنفاق في سبيل الخير، وقيل: بالتصدق بالصدقات المندوبة وأيا ما كان فهو استعارة لأنه سبحانه لما وعد بجزائه والثواب عليه شبه بالقرض الذي يقضى بمثله، وفي كلام العرب قديما الصالحات قروض * (قرضا حسنا) * وهو ما كان عن طيب نفس على ما قال الأخفش، وقيل: ما لا يتبعه من ولا أذى، وقيل: ما كان من حلال. وذكر غير واحد أن قرضا يحتمل المصدر والمفعول به.
* (لأكفرن عنكم سيئاتكم) * دال على جواب الشرط المحذوف وساد مسده معنى، وليس هو الجواب له خلافا لأبي البقاء بل هو جواب للقسم، فقد تقرر أنه إذا اجتمع شرط وقسم أجيب السابق منهما إلا أن يتقدمه ذو خبر، وجوز أن يكون هذا جوابا لما تضمنه قوله تعالى: * (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) * من القسم، وقيل: إن جوابه * (لئن أقمتم) * فلا تكون اللام موطئة، أو تكون ذات وجهين - وهو غريب - وجملة القسم المشروط وجوابه مفسرة لذلك الميثاق المتقدم. * (ولأدخلنكم جن‍ات تجري من تحتها الأنه‍ار) * عطف على ما قبله داخل معه في حكمه متأخر عنه في الحصول ضرورة تقدم التخلية على التحلية.
* (فمن كفر) * أي برسلي أو بشيء مما عدد في حيز الشرط، والفاء لترتيب بيان حكم من كفر على بيان حكم من آمن تقوية للترغيب بالترهيب * (بعد ذلك) * الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم أعني لأكفرن، وقيل: بعد الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم أعني أني معكم بناءا على حمل المعية على المعية بالنصرة والإعانة، أو التوفيق للخير فإن الشرط معلق به من حيث المعنى نحو أنا معتن بشأنك إن خدمتني رفعت محلك، وقيل: المراد بعد ما شرطت هذا الشرط ووعدت هذا الوعد وأنعمت هذا الإنعام،
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»