تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٢٠٧
على ما فصل نوع تفصيل في سورة بني إسرائيل، ولا يخفى موقع * (بصير) * هنا مع قوله سبحانه: * (عموا) *..
* (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابنىإسراءيل اعبدوا الله ربى وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظ‍المين من أنصار) *.
* (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) * شروع في تفصيل قبائح النصارى، وإبطال أقوالهم الفاسدة بعد تفصيل قبائح اليهود، وقائل ذلك: طائفة منهم كما روي عن مجاهد، وقد أشبعنا الكلام على تفصيل أقوالهم وطوائفهم فيما تقدم فتذكر * (وقال المسيح) * حال من فاعل * (قالوا) * بتقدير قد مفيدة لمزيد تقبيح حالهم ببيان تكذيبهم للمسيح وعدم انزجارهم عما أصروا عليهم بما أوعدهم به، أي قالوا ذلك، (وقد قال المسيح) عليه السلام مخاطبا لهم * (ي‍ابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) * فإني (عبد) مربوب مثلكم فاعبدوا خالقي وخالقكم.
* (إنه) * أي الشأن * (من يشرك بالله) * أي شيئا في عبادته سبحانه أو فيما يختص به من الصفات والأفعال - كنسبة علم الغيب. وإحياء الموتى بالذات - إلى عيسى عليه السلام * (فقد حرم الله عليه الجنة) * لأنها دار الموحدين، والمراد يمنع من دخولها كما يمنع المحرم عليه من المحرم، فالتحريم مجاز مرسل أو استعارة تبعية للمنع إذ لا تكليف ثمة، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتهويل الآمر وتربية المهابة * (ومأواه النار) * فإنها المعدة للمشركين وهذا بيان لابتلائهم بالعقاب إثر بيان حرمانهم الثواب، ولا يخفى ما في هذه الجملة من الإشارة إلى قوة المقتضى لإدخاله النار * (وما للظالمين من أنصار) * أي ما لهم من أحد ينصرهم بإنقاذهم من النار وإدخالهم الجنة، إما بطريق المغالبة أو بطريق الشفاعة، والجمع لمراعاة المقابلة بالظالمين. وقيل: ليعلم نفي الناصر من باب أولى لأنه إذا لم ينصرهم الجم الغفير، فكيف ينصرهم الواحد منهم؟! وقيل: إن ذلك جار على زعمهم أن لهم أنصارا كثيرة، فنفى ذلك تهكما بهم، واللام إما للعهد والجمع باعتبار معنى (من) كما أن إفراد الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها، وإما للجنس وهم يدخلون فيه دخولا أوليا، ووضعه على الأول: موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بأنهم ظلموا بالإشراك وعدلوا عن طريق الحق، والجملة تذييل مقرر لما قبله، وهو إما من تمام كلام عيسى عليه السلام، وإما وارد من جهته تعالى تأكيدا لمقالته عليه السلام وتقريرا لمضمونها..
* (لقد كفر الذين قالوا إن الله ث‍الث ثل‍اثة وما من إل‍اه إلا إل‍اه واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) *.
* (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) * شروع في بيان كفر طائفة أخرى منهم، وقد تقدم لك من هم، و * (ثالث ثلاثة) * لا يكون إلا مضافا كما قال الفراء، وكذا - رابع أربعة - ونحوه، ومعنى ذلك أحد تلك الأعداد لا الثالث والرابع خاصة، ولو قلت: ثالث اثنين ورابع ثلاثة مثلا جاز الأمران: الإضافة والنصب. وقد نص على ذلك الزجاج أيضا، وعنوا بالثلاثة - على ما روى عن السدي - الباري عز اسمه وعيسى وأمه عليهما السلام فكل من الثلاثة إله بزعمهم، والإلهية مشتركة بينهم، ويؤكده قوله تعالى للمسيح عليه السلام: * (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * (المائدة: 116)، وهو المتبادر من ظاهر قوله تعالى: * (وما من إله إلا إله واحد) * أي والحال أنه ليس في الموجودات ذات واجب مستحق للعبادة - لأنه مبدأ جميع الموجودات - إلا إله موصوف بالوحدة متعال عن قبول الشركة بوجه، إذ التعدد يستلزم انتفاء الألوهية - كما يدل عليه برهان التمانع - فإذا نافت الألوهية مطلق التعدد، فما ظنك بالتثليث؟! و * (من) * مزيدة للاستغراق كما نص على ذلك النحاة، وقالوا في وجهه: لأنها في الأصل (من) الإبتدائية حذف مقابلها إشارة إلى عدم التناهي، فأصل لا رجل: لا من رجل إلى ما لا نهاية له.
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»