تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٢٠٣
بعده، وإن عد أحسن الوجوه، وقيل: إنه منصوب بفتحة مقدرة على الواو والعطف حينئذ مما لا خفاء فيه، واعترض بأن لغة - بلحارث وغيرهم - الذين جعلوا المثنى دائما بالألف نحو - رأيت الزيدان ومررت بالزيدان - وأعربوه بحركات مقدرة، إنما هي في المثنى خاصة، ولم ينقل نحو ذلك عنهم في الجمع خلافا لما تقتضيه عبارة أبي البقاء، والمسألة مما لا يجري فيها القياس فلا ينبغي تخريج القرآن العظيم على ذلك، وقرأ أبي وكذا ابن كثير - والصابئين - وهو الظاهر - والصابيون - بقلب الهمزة ياءا على خلاف القياس - والصابون - بحذفها من صبا بإبدال الهمزة ألفا فهو كرامون من رمى. وقرأ عبد الله - يا أيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون -.
وقوله سبحانه وتعالى: * (من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا) * إما في محل رفع على أنه مبتدأ خبره قوله تعالى: * (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وجمع الضمائر الأخيرة باعتبار معنى الموصول كما أن إفراد ما في صلته باعتبار لفظه، والجملة خبر * (إن) * أو خبر المبتدأ، وعلى كل لا بد من تقدير العائد أي من آمن منهم، وإما في محل النصب على أنه بدل من اسم * (إن) * وما عطف عليه، أو ما عطف عليه فقط، وهو بدل بعض، ولا بد فيه من الضمير كما تقرر في العربية فيقدر أيضا، وقوله تعالى: * (فلا خوف) * الخ خبر، والفاء كما في قوله عز وجل: * (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم) * (البروج: 10) الآية، والمعنى - كما قال غير واحد - على تقدير كون المراد - بالذين آمنوا - المؤمنين بألسنتهم وهم المنافقون من أحدث من هؤلاء الطوائف إيمانا خالصا بالمبدأ والمعاد على الوجه اللائق لا كما يزعمه أهل الكتاب فإنه بمعزل عن ذلك، وعمل عملا صالحا حسبما يقتضيه الإيمان فلا خوف عليهم حين يخاف الكفار العقاب ولا هم يحزنون حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب، والمراد بيان (دوام) انتفاء الأمرين لا (بيان) (1) انتفاء دوامهما على ما مرت الإشارة إليه غير مرة، وأما على تقدير كون المراد - بالذين آمنوا - المتدينين بدين النبي صلى الله عليه وسلم مخلصين كانوا أو منافقين، فالمراد بمن آمن من اتصف منهم بالإيمان الخالص بما ذكر على الإطلاق سواء كان ذلك بطريق الثبات والدوام - كما في المخلصين - أو بطريق الإحداث والإنشاء - كما هو حال من عداهم من المنافقين، وسائر الطوائف - وليس هناك الجمع بين الحقيقة والمجاز كما لا يخفى لأن الثبات على الإيمان والإحداث فردان من مطلق الإيمان إلا أن في هذا الوجه ضم المخلصين إلى الكفرة، وفيه إخلال بتكريمهم، وربما يقال: إن فائدة ذلك المبالغة في ترغيب الباقين في الإيمان ببيان أن تأخرهم في الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين الأعلام؛ وتمام الكلام قد مر في آية البقرة فليراجع..
* (لقد أخذنا ميثاق بنىإسراءيل وأرسلنآ إليهم رسلا كلما جآءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) *.
* (لقد أخذنا ميث‍اق بني إسرائيل) * كلام مبتدأ مسوق لبيان بعض آخر من جناياتهم المنادية باستبعاد الإيمان منهم، وجعله بعضهم متعلقا بما افتتح الله تعالى به السورة، وهو قوله سبحانه: * (أوفوا بالعقود) * (المائدة: 1) ولا يخفى بعده. والمراد بالميثاق المأخوذ العهد المؤكد الذي أخذه أنبياؤهم عليهم في الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه فيما يأتي ويذر، أو في التوحيد وسائر الشرائع والأحكام المكتوبة عليهم في التوراة. * (وأرسلنا إليهم رسلا) * ذوي عدد كثير وأولي شأن خطير، يعرفونهم ذلك. ويتعهدونهم بالعظة والتذكير ويطلعونهم على ما يأتون ويذرون في دينهم.
* (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم) * أي بما لا تميل إليه من
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»